للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فراسله المغاربة على أن يُمكِّنهم في البلد من المُقام، ويعطونه بألف دينار، فرضيَ، وأقام أيامًا في المكان وطالبهم بالمال، فلم يُعطوه شيئًا، ولم تكن له قدرةٌ عليهم، فسار إلى السواد، وكان ما نهب المغاربةُ من دمشق يساوي خمس مئة ألف دينار، وتتبعوا أحداث دمشق، فقتلوا منهم سبعين حدَثًا، ومضى سنان الدولة ولد ابن منزو إلى أمير الجيوش، وصالحه وصاهره على أخته، وعاد إلى دمشق واليًا عليها من قِبَل أمير الجيوش، وأطاعته المغاربة، وسلَّموها إليه، فدخلها.

وقال أبو رافع مياس بن مهدي القُشيري أحد أمراء بني قُشير: وكان سبب الفتنة بين العبيد والترك أنَّ عادة صاحب مصر أن يجتمع في كل سنة على سبيل التنزُّه إلى مسجد التبن ظاهر القاهرة، فخرج سنة ست وخمسين وأربع مئة، وكان طرائف العبيد يمشون بالسلاح بين يديه ومن خلفه لا يخالطهم غيرُهم، فجاء تركيٌّ بيده سيف مشهور، فجرحوه، فوقعت الفتنة بين العبيد والأتراك، واتصلت إلى هذه السنة وبعدها.

وفي هذا الوقت وقع بين ناصر الدولة بن حمدان وبين الأتراك شرٌّ، فتفرقوا عنه إلا اليسير، وأجفل ناصر الدولة، فلمَّا أُبعِد إلى الريف جاء أبو علي إلى باب الذهب من قصر حاجب مصر، فقال له الوزير ابن الموفق: أيُّ وجهٍ لك عند السلطان وأنت من أصحاب ابن حمدان؟ فقال له: ما جئتُ إلا مستأمنًا. فزبره وأمره بالانصراف، فانصرف، وأمر بعض المَصامِدة (١) فتبعه فقتله، ثم أغلق القاهرة، وكان بها تاج الملوك شادي، فرآه الوزير، فقال له: قد أمر السلطان أن تقتل كلَّ مَنْ كان ها هنا من أصحاب ابن حمدان وكان شادي من أصحاب ابن حمدان، فجرَّد سيفه وضرب الوزير على وجهه ضربةً صرعه، وقال: حزُّوا رأسه. فحزُّوه، وبعث به إلى ناصر الدولة، وخرج شادي على حميَّته، ولمَّا وصل الرأس إلى ابن حمدان رجع إلى مصر وانحاز إليه شادي وغيرُه، وانحاز إلى المستنصر أعيان الأتراك أسد الدولة يلدكوز وغيره والمَصامِدة والكتاميُّون (٢)، ووقع القتال بين مصر والقاهرة، وقال رجل للمستنصر: ما قعودُكَ؟ قُمْ


(١) المَصامِدة: رجالٌ بأقصى المغرب، وهم قوم سود طِوال، حافظون لكتاب الله. الأنساب ١١/ ٣٣٨.
(٢) الكُتاميُّون: نسبة إلى كُتامة، وهي قبيلة من البربر، نزلت ناحية من بلاد المغرب الأنساب ١٠/ ٣٥١.