للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ حضر عندي من ملوك الأطراف، فأرسل محمودُ والدتَه وولدَه بخدمة قليلة، فزاد غيظُ السلطان، واتفق أن الخليفة بعث لمحمود الخِلَع التي طلبها لمَّا خطب للقائم مع نقيب النقباء، منها الفَرَجيةُ، والعمامةُ، وفرسٌ بمركب ثقيل، ولواءٌ. ولوالدته فرسين وثيابًا، ولبني عمه خيلًا وثيابًا. وخرج محمود والتقى النقيب، فسلَّم عليه عن الخليفة، فنزل وقبَّل الأرض، ولبس الخِلَع، وركب الفرس، ودخل إلى حلب، وأقام النقيب يومين لم يرَ من محمود فيهما ما ظنَّ، فركب إليه، قال محمود: أنا أُطيعكم، وهذا السلطان على بُعدٍ، وطلبتُ حراستي وحراسةَ بلادي، فأمَّا البلاد فقد شاهدتُ خرابَها ونهبَها، وأنا مطالبٌ بالخروج إليه والأموال التي تُفقرني، ومهدَّدٌ بالحصار والبوار، وهذا كتاب السلطان عندي بالإعفاء من دَوْس البساط. فقال النقيب: هاتِ الكتاب لأمضيَ إليه. فأعطاه إيَّاه، فخرج إليه وكان نازلًا على الفندق، فلمَّا وصل بعث إليه السلطان بفرس النُّوبة، وأكرمه واستدعاه، وبلَّغه عن الخليفة ما حمله إليه، فقام وقَبَّل الأرض، وشكر ودعا، وقال له: ما الَّذي أخرجك؟ فقال: جئتُ لأُخرج محمودًا إلى خدمتك، فأَخْرَجَ إليَّ هذا الكتاب. فقال: صحيح، أنا كتبتُه تطييبًا لقلبه مع بُعدي عنه، فأمَّا إذا قرُبتُ منه فما أقنع بهذا، وأيُّ عذرٍ لنا إذا كان منتميًا إلينا وقد عصى علينا ونصب المجانيق ليستعدَّ للحصار! وأيُّ حرمةٍ تبقى لنا عند الملوك؟! ويجب أن ترجع إليه وتضمن له عني كلَّ ما نريد. قال النقيب: فقلت: سمعًا وطاعة. وثقُلَ عليه ما بعث له الخليفة، فقال بعض الحُجَّاب: ما فعل هذا إلَّا بأمرِك، فسكن، واجتمعتُ بنظام الملك، وقلت: محمود يخدم بعشرين ألف دينار للسلطان، وخمسةِ آلاف دينار لك، ويدفعُ باللقاء إلى حين عود السلطان من دمشق، وعدتُ إلى حلب، وأخبرتُ محمودًا فقال: أمَّا المالُ فما عندي حَبَّة، وأما الخروج فلا سبيل إليه. ونزل السلطان على حلب يوم الأحد لليلةٍ بقيَتْ من جمادى الآخر، فقاتلهم، فذَلُّوا، فأرسل إليه محمود يطلب الموادعة، وخرج إليه في الليل، وسارت معه والدتُه، فأخذت بيده ودفعته إلى السلطان، وقالت: هذا ولدي قد سلَّمتُه إليك، فاحكم فيه بما ترى. فتلقَّاه بما أحبَّ وأكرمه، وقال: عُدْ إلى قلعتك، وترجع إلينا في غد لنُظهِرَ من إكرامنا ما تستحِقُّه. فرجع إلى القلعة، وعاد من الغد، فتلقَّاه نظام الملك والحُجَّاب والخواصُّ، ولم يتخلف غير