للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجهَّز في العساكر الكثيرة، وأنه قاصد بلاد الإسلام، وكان السلطان في قليل من العسكر؛ لأنهم عادوا جافلين من الشام، وتلك الجَفلة استهلكت أموالهم ودوابَّهم، فطلبوا مَنْ ألزمهم، وبقي السلطان في أربعة آلاف غلام، ولم يرَ الرجوعَ لجميع العساكر فتكون هزيمة، فأنفذ بخاتون الشقيرية مع نظام الملك والأثقال إلى هَمَذان، وأمره بجمع العساكر وإنفاذها إليه، وقال لوجوه عسكره الذين بقوا معه: أنا صابرٌ صبرَ المحتسبين، وصائرٌ في هذه الغزاة مصير المخاطرين، فإن نصرني الله فذاك ظنِّي في الله تعالى، وإن تكُنِ الأخرى فأنا أعهد إليكم لولدي ملك شاه أن تسمعوه وتطيعوه وتقيموه مقامي. فقالوا: سمعًا وطاعة. وبقي جريدةٌ (١) مع العسكر الَّذي ذكرنا، ومع كلِّ غلام فرسٌ يركبه، وآخر بجنبه، وسار قاصدًا ملك الروم، وأرسل أحدَ الحُجَّاب الذين كانوا معه في جماعة من الغلمان مقدمةً له، فصادف عند خِلاط صليبًا تحته مُقدَّم الروم في عشرة آلاف، فحاربهم، فنُصِرَ عليهم، وأسر المُقدَّم، وكان من الروس، وأخذ منه الصليب، وبعث إلى السلطان بذلك، فاستبشر وقال: هذا أمارة النصر. وأرسل بالصليب إلى هَمَذان، وجَدَع أنف المقدَّم، ثم أمر بأن يحمل إلى الخليفة، ووصل ملك الروم إلى منازكِرد فأخذها بالأمان، وقصد ناحية السلطان في موضع يعرف بالرَّهوة بين خِلاط ومنازكِرد لخمس بَقِينَ من ذي القعدة، فبعث إليه السلطان بأن يرجع إلى بلاده ويتمِّم الصلح الَّذي توسَّطه الخليفة، فقال: لا أرجع -وكان يوم الأربعاء- وأقام السلطان إلى نهار الجمعة، وجمع وقتَ الصلاة أصحابَه، وقال: إلى متى نحن في نقص وهم في زيادة؟ أريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي جميع المسلمين يدعون لنا على المنابر، فإن نُصِرْنا عليهم وإلّا مضينا شهداءَ إلى الجنّة، فمن أحبَّ أن يتبعني فليتبَعْ، ومن أحبَّ أن ينصرف فلينصرِفْ مصاحبًا، فما ها هنا اليوم سلطان، وإنما أنا واحد منكم، وقد فتحنا على المسلمين ما كانوا عنه في غناء. فقالوا: أيها السلطان، نحن عبيدك، ومهما فعلتَ تبعناك.


(١) الجريدة: خيل لا رجالة فيها. المعجم الوسيط (رجل).