وكان قد اجتمع إليه عشرةُ آلاف من الأكراد، وإنما اعتماده بعبد الله تعالى على الأربعة آلاف الذين كانوا معه، وملكُ الروم في مئة ألف مقاتل، ومئة ألف نَقَّاب، ومئة ألف روزجاري (١)، ومئة ألف صانع، وأربع مئة عجلة يجرُّها ثمان مئة جاموس عليها نعال ومسامير، وألفا عجلة عليها السلاح والمجانيق، وآلة الزحف، وكان في عسكره خمسة وثلاثون ألف بطريق، ومعه منجنيق يمدُّه ألف رجل ومئتا رجل، ووزن حجره عشرة قناطير، وكل حلقة منه مئتا رطل بالشامي، وكان في خزانته ألف ألف دينار ومئة ألف ثوب إبريسم، ومن السُّروج الذهب والمناطق والمصاغات مثلُ ذلك، وكان قد أقطع البطارقةَ البلاد، مصر والشام وخراسان والري والعراق، واستثنى بغداد، وقال: لا تتعرَّضوا لذلك الشيخ الصالح فإنه صديقُنا -يعني الخليفة- وكان عزمُه يُشتي بالعراق ويصيف بالعجم، واستناب في القسطنطينية من يقوم مَقامه، وعزم على خراب بلاد الإسلام، فلمَّا كان يوم الجمعة وقت الصلاة -وقد شاور السلطانُ أصحابَه- قام قائمًا، ورمى القوس والنُّشَّاب من يده، وشدَّ ذنب فرسه بيده، وأخذ الدبوس، وفعل أصحابُه كذلك، وبغتوا الروم وصاحوا صيحةً واحدةً ارتجَّت لها الجبال، وكبَّروا، وصاروا في وسط الروم، فقاتلوهم، وما لَحِقَ الملكُ يركبُ فرسَه، وما ظنَّ أنهم يقدموا عليه، فنصر الله المسلمين عليهم فانهزموا، وتبعهم السلطانُ بقيةَ نهار الجمعة وليلةَ السبت يقتل ويأسر، فلم ينجُ منهم إلا القليل، وغنموا جميعَ ما كان معهم، ورجع السلطان إلى مكانه، فدخل عليه الكوهراني فقال: إنَّ أحد غلماني قد أسرَ ملك الروم، وكان هذا غلامي قد عُرِضَ على نظام الملك فاحتقره وأسقطه، فكلَّمتُه فيه، فقال مستهزئًا به: لعلَّه يجيئنا بملك الروم أسيرًا. فأجرى الله تعالى أسر ملك الروم على يده، واستبعد السلطانُ ذلك وأرسل خادمًا يقال له: شاذي كان قد أرسله له، فلمَّا رآه عرفه، فرجع وأخبر السلطان، فأمر بإنزاله في خيمة، ووكل به، واستدعى الغلامَ وسأله: كيف أسرْتَه؟ فقال: رأيتُ فارسًا وعلى رأسه صلبان، وحولَه جماعةٌ من الخدم الصَّقالبة، فحملتُ عليه لأطعنه، فقال لي واحدٌ منهم: لا تفعَلْ، فهذا الملك. فأحسنَ السلطانُ إليه، وخلع عليه، وجعله من خواصِّه، فقال: أريد بشارة غزنة، فأعطاه إيَّاها.
(١) في (خ): جرحى! والمثبت من المنتظم ١٦/ ١٢٤، والبداية والنهاية ٢/ ١٠٠.