للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنَّ السلطان أحضر الملك -واسمه أرمانوس- وضربه ثلاث مقرعات، ورفسه برجله ووبَّخه، وقال: ألم أُرسِلْ إليك رُسُلَ الخليفة أطال الله بقاءه في إمضاء الهدنة، فأبيتَ؟ ألم أُرسِلْ إليك مع الإفشين أطلبْ أعدائي، فمنعتَهم؟ ألم تغدِرْ بي وقد حلفتَ لي؟ ألم أبعَثْ إليك بالأمس أسألْكَ الرجوع، فقلتَ: قد أنفقتُ الأموال، وجمعتُ العساكر الكثيرة حتَّى وصلتُ إلى ها هنا، وظفرتُ بما طلبتُ، فكيف أرجع إلى أن أفعل ببلاد المسلمين مثل ما فعلوا ببلادي؟ وكيف رأيتَ أثر البغي؟ -وكان قد جُعِلَ في رجليه قيدين وفي عنقه غِلًّا- فقال: أيها السلطان، قد جمعتُ العساكر من سائر الأجناس، وأنفقتُ الأموال لآخذ بلادك، ولم يكن النصرُ إلَّا لك، وبلادي ووقوفي على هذه الحال بين يديك بعد هذا، فدَعْني من التوبيخ والتعنيف، وافعَلْ ما تُريده. فقال له السلطان: فلو كان الظَّفرُ لك ما كنتَ تفعلُ بي؟ قال: القبيح. فقال: آهٍ، صدق وَاللهِ، ولو قال غيرَ هذا لَكَذَب، هذا رجلٌ عاقلٌ جَلْدٌ، لا يجوز أن يُقتل. ثم قال له: وما تظنُّ الآنَ أن أفعلَ بك؟ قال: أحد ثلاثة أقسام، أما الأول فقتلي، والثاني: إشهاري في بلادك التي تحدَّثتُ بقصدها، وأما الثالث فلا فائدة في ذِكْرِه، فإنك لا تفعلُه. قال: وما هو؟ قال: العفو عني، وقبول الأموال والهدنة، واصطناعي وردِّي إلى ملكي مملوكًا لك وبعض أسفهسلاريتك، ونائبك في الروم، فإنَّ قتْلَكَ لي لا يُفيدك، هم يقيمون غيري. فقال له السلطان: ما نويتُ إلَّا العفوَ عنك، فاشترِ نفسك. فقال: يقول السلطان ما يشاء. فقال: عشرة آلاف ألف دينار. فقال: واللهِ إنك تستحقُّ ملك الروم إذ وهبتَ لي نفسي، ولكن قد أنفقتُ أموال الروم واستهلكتُها منذ وُلِّيتُ عليهم في تجريد العساكر والحروب، وأفقرتُ القوم. ولم يزلِ الخطابُ يتردَّد إلى أن استقرَّ الأمر على ألف ألف وخمس مئة ألف دينار، وفي الهدنة على ثلاث مئة ألف دينار وستين ألف دينار في كلِّ سنة، وأن يُنفذ من عساكر الروم ما تدعو الحاجة إليه، وذكر أشياء. فقال: إذا مننتَ عليَّ عَجّلْ سراحي قبل أن يُنصِّبَ الرومُ ملكًا غيري، فيفوتُ المقصودُ، ولا أقدر على الوصول إليهم، فلا يحصل شيء مما شرطتَه عليَّ. فقال السلطان: أُريد أن تعود أنطاكية والرُّها ومنبج ومنازكِرْد، فإنها أُخذت من المسلمين عن قرب، وتُفرِّج عن أسارى المسلمين. فقال: أمَّا البلادُ فإن وصلتُ سالمًا إلى بلادي أنفذتُ إليهم بالعساكر