للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقيمت السفن تحت التاج، وحُطَّ فيها ما خفَّ حَمْلُه، والباقي تلف، ولبس الخليفةُ البردة، وأخذ بيده القضيب، ووقف بين يدي الله تعالى يبكي ويصلِّي ويتضرَّع، ولم يأكل طعامًا أيامًا ولياليًا، وأما الوزير فخر الدولة فدخل عليه الماء إلى داره بباب عمورية، فركب فرسًا، وخاض الماء إلى أن وصل إلى حجرة الخليفة واستأذن فيما يفعل، فقيل له: اطلب النجاة لنفسك قبل أن لا تقدر عليها. فمضى إلى الطيار على باب الغرفة فنزل فيه، وجاء إنسان [إلى الوزير] ومعه ولد ولد الوزير (١)، فقال [له]: يا مولانا، معي ولد ولدك. فقال: أيش أعمل به، احتفِظْ به إن أمكنك حِفْظُه. [وبعث بأهله إلى الجانب الغربي].

وقال الوزير: كنت صائمًا يوم الاثنين، وجاء وقتُ الإفطار وأنا وحدي، وقد هرب الغلمان والحاشية والأهل، فبِتُّ وما أفطرتُ، وأصبحتُ يوم الثلاثاء فرميتُ نفسي في الطيار، فلما كان [آخر النهار] وقت المغرب أحضر لي بعضُ الملَّاحين ثلاثةَ أرغفة يابسة وسُكُرُّجَة (٢) فيها خَلٌّ، فأكلتُ منها، واستلقيتُ على بارية في الطيار لم تسعني، وقعد مَنْ بقي من الناس في السفن.

ووقعت جميع الدور والمنازل التي من جانب بغداد الشرقي، وانهدمت مئة ألف دار وأكثر، وبقيت بغداد مَلَقَةً (٣) واحدة، وانهدم سورُها، [فكان الإنسان يقف في الصحراء فيرى التاج]، وأقبل إنسان يخوض في الماء وعلى كتفه ولدان له صغيران، [فما زال يخوض بهما]، فلمَّا أعى رمى بهما ونجا بنفسه. [وقال ابن الصابئ]: وخصَّ [هذا] الغرق أماكن الفساد (٤) والخمور والقمار والخواطي [مثل درب القيّار ونحوه] وتشقَّقت الأرض [فصارت مثل الخنادق]، ونبع منها الماء الأسود، وكان ماءَ سخطٍ وعقوبة، ونُهبت خزائنُ الخليفة وما كان في الخانات، ولم يؤاخذ أحد، وأقيمت


(١) العبارة في (م): ومعه ولده وولد ولده.
(٢) السُّكُرُّجة: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم. المعجم الوسيط (سكرج).
(٣) المَلَقة: الصفاة الملساء. المعجم الوسيط (ملق).
(٤) في (م): الفُسَّاق.