للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له: ابن بِشْران، يقف في الأسواق، ويقول: ترك السلطان مسعود هَمَذان، وصلت مقدماته إلى حُلْوان، خرج أتابُك زنكي من الموصل، وصل تَكْرِيت، فتغلو الأسعار، ويخاف الناس. ولم يكن جرى شيء مما ذكره. وبلغ الخليفة المستنجد، فبعث إلى الوزير وقال له يؤدب ابن بِشْران وينهاه. فأحضره الوزير ونهاه، وأراد أن يوقع به الفعل، فاستحيا منه، وقال له: والله لئن بلغني عنك بعدها كلمة من هذا لأعملنَّ معك الواجب. فخرج من عنده، فأقام أيامًا لا يستجري يتكلم، فأعيته الحيل، فاشترى تقاويم وقعد على دكة بغداد، وشرع يقول: يقترن الكوكب الفلاني مع الكوكب الفلاني، فتهب ريح سوداء تأخذ بأنفاس (١) العالم، فيهلكون، تنشف دجلة بعد أيام، وشرع في مثل هذا، فمرَّ به بعض ظرَّاف بغداد، فوقف عليه وهو يقول كذا، فعمل فيه هذا الشعر (٢): [من الكامل]

إنَّ ابنَ بِشْرانٍ ولستُ ألومُهُ … من خِيفةِ السُّلطَانِ صَارَ مُنجِّمَا

طُبعَ المشومُ على الفُضُولِ فلم يُطق … في الأرضِ إرجَافًا فأرجَفَ في السَّما

وحكى لي جماعة عن بعض المنجمين ببغداد: أنَّه مرَّ به شاعر وبيده اسطرلاب، فقال: أين الشمس؟ فقال المنجم: في الثور، فقال الشاعر (٣): [من السريع]

قامَ إلى الشَّمسِ بآلاتِه … يَنظُرُ بالتَّخمِينِ والحَدْسِ

فَقُلتُ: أين الشَّمسُ؟ قَالَ الفتى … في الثَّور قُلتُ الثورُ في الشَّمسِ

وحكى لي أيضًا جماعة: أنه كان ببغداد منجم يقال له: الحُدَاني، عبر عليه شخص وهو في حلقة يقول: يا قوم، كيف تصنعون؟ قد نظرت في علومي، وإذا بكم تلاقون سنينًا كسني يوسف، تبقون سبع سنين لا تمطرون، وتأكلون الجيف والميتة، وجعل يعظم الأمر، قال: فنشأت سحابة مثل الترس، وامتدت، وجاءت كأفواه القرب، وخاض الناس في الوحل، فقال ذلك الشخص هذه الأبيات: [من الكامل]

جَمَعَ الحُدَانِيُّ المُنَجِّمُ حلْقَةً … وبدا يُسفسِطُ في النُّجومِ ويَحدِسُ


(١) في (خ، ك): بأتفاع، والمثبت من (ب).
(٢) نسبه ابن خلكان في وفيات الأعيان ٧/ ٤٠ لابن صابر.
(٣) نسبها الصفدي في الوافي بالوفيات ١١/ ٣٨٨ إلى جكينا البرغوث.