وراسل مسلم أُرْتُق بك وقال: لمثل هذا اليوم خبأتُكَ، ولمثله تُستَحبُّ الصنيعةُ، وأُريد أن تمُنَّ عليَّ بنفسي. وبذل له مالًا أرغبه فيه، فأجابه، وبعث ابنُ جَهير إلى أُرْتُق بك يقول: قد حصلت بنو عقيل في أيدي التركمان، ويجب أن تجمعَهم وتُنفِذَهم إلى السلطان، وتُقيم على هذا الإنسان -يعني مسلم بن قريش- وتستنزله، وقد ملكتُ الأرض إلى مصر. فقال أُرْتُق: هذا أمر ما إليك منه قليل ولا كثير، وأنا صاحب الحرب، وليس عادتُنا مع من نأسره أن نحبسه، بل نبيعه ونُطلِقُه.
وكانت نيةُ أُرْتُق بك مع السلطان غيرَ مستقيمة، فأنفذ ابنُ جَهير إليه يقول: إن السلطان أنفذ لي شحنةً معي وجندًا بين يدي يفعلون ما أراه، وكان على آمد، فغضب أُرْتُق بك، ورحل من وقته، وذلك في اليوم الثالث من الوقعة، وتبعه أكثرُ التركمان، وقصد سنجار، وسار ابنُ جَهير ومن معه إلى ميَّافارقين ولم يقدروا على المقام بعد أُرْتُق بك، فخرج مسلم من آمد يوم الأحد لتسع بَقِين من ربيع الأوَّل، ووصل الرقة، وبعث إلى أُرْتُق بك بما كان بذله له وزادَه، وأقام ابنُ جَهير على ميَّافارقين، فاشتدَّ الغلاءُ، وراسل أهلَها وأهلَ آمد، فهمُّوا بفتح الأبواب، وعلم ابنُ مروان، فقبض عليهم، وبطل ذلك التدبير، ومضى ابنُ جَهير إلى أخلاط، وعاد مَنْ معه إلى العراق، وكتب إلى السلطان يشكو أُرْتُق بك، وكان اتصل بالسلطان ما جرى، وأن مسلمًا في آمد محصورٌ، ولم يشُكَّ في أخذه، فندب عميد الدولة لحرب الجزيرة، وأخذ مسلم، وردَّ إليه أمر حلب والرحبة، وبعث معه خُمارتِكين صوب الحاجب وجماعةٍ من الأتراك، وكُوتِبَ أُرْتُق بك بموافقته، وسار من أصفهان، وبلغه في الطَّريق خلاصُ مسلم، فكتب إلى السلطان يخبره، فسار السلطان يريد الموصل، وسار أُرْتُق بك من سنجار إلى الموصل، فالتقى عميدَ الدولة، وكان قد مرض بدَقوقا، ونزلا بإزاء الموصل، وراسل عميدُ الدولة أهلَها أن يفتحوا للسلطان الباب ويطيعوه، فقالوا: إذا حضر السلطان سلَّمنا إليه، وجاء السلطان، فخرج إليه نُوَّاب مسلم [وأجابوه](١) وحاموه وأطاعوه، وقالوا: أمرَنا صاحبُنا أن لا نُغلق في وجهك بابًا. فأعجبه ذلك، وأمَّنهم، ودخل إليها، وأقام أيامًا.