وفي جمادى الأولى توفي سرهنك ساوتكين الحاجب، وخلف ألفي ألف دينار وخمسة عشر ألف ثوب، منها تسعة آلاف ديباج رومي، وخمسة آلاف رأس خيل، وألف جمل، وثلاثين ألف رأس غنم، سوى الضياعات والأسلحة والأمتعة، وجاء للسلطان خبرٌ من ناحية أخيه تُتُش، فرأى إعادة مسلم إلى بلاده، فأرسل إليه أبا بكر بن نظام الملك، وكان نازلًا مقابل الرحبة، فتوثَّق به، وعاد به إلى السلطان، فخلع عليه وأعاده إلى أعماله، ورجع إلى أصفهان في الرابع والعشرين من رجب.
وفي يوم الخميس سلخ رجب فتح سليمان بن قُتُلْمِش نيقية وهي بلدة بالساحل تضاهي أنطاكية، وجمع ما يليها من طَرَسوس وأذَنة والمِصِّيصة وعين زربة.
وكان الفردوس المتولِّي على أنطاكية من قِبَل ملك الروم قد أساء السيرة، وصادر أرباب الأموال، وقتل من الأحداث خلقًا كثيرًا، وقبض على ولد نفسه وحبسه، فكاتب سليمان، وواعده ليلةً بعينها، فجاء في طائفة من التركمان، ففتحوا له الباب، فدخلها واستولى على أموالها وقلعتها، واستولى على الكنيسة وما فيها من الأموال والجواهر، وكان الفردوس قد خرج إلى بعض النواحي، ولم يتعرَّض سليمان للودائع، ثم نادى في عسكره: لا تتعرَّضوا لأحد من النصارى، ولا ينزل أحد في دار أحد، فلم يؤخذ لأحد درهم، وأحبَّته النصارى، وشاع عدلُه فيهم، فعمرت أنطاكية، وعادت أحسن حالًا من جميع البلاد، فبعث مسلم إلى حلب ألفي فارس يحفظها، وأرسل إلى سليمان يقول: للسلطان في كلِّ سنة على أنطاكية مال، فإن كنتَ طائعًا فابعَثْ به إليَّ، وإن كنتَ عاصيًا فعرِّفني. فقال: بل أنا السامع المطيع، وقد كتبتُ إلى السلطان أُخبره بهذا الفتح، والمال إنما كان يؤخذ من صاحب أنطاكية على وجه الجزية ونحن مسلمون، ومن جند السلطان، وكانت الرسالة مع ابن الحلزون نائب مسلم بحلب، فقال: ما نعرف إلَّا المال. وأغلظَ له، فغضب سليمان، وأرسل عسكره، فنهبوا سواد حلب من منبج إلى المعرة، وسَبُوا وساقوا من الجمال والدوابِّ والماشية شيئًا كثيرًا، وقصده أرباب النهب، فاعتذر إليهم وقال: ما لي بهذا عادة، وإنما أميركم فعل هذا حيث نَزَّلني منزلة الكفار، ثم تقدَّم بردِّ النَّهبِ عليهم، فردَّ بعضَه، وصونِعَ عن الباقي بشيء يسير.