للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل له: ما البلاغة؟ فقال: حسنُ الاستعارة، وقيل: الاستدلالُ بالقليل على الكثير، وقيل: فتق المشكل، وإيضاح المعضل.

وكتب إلى بعض الملوك وكان قد اشتغل باللهو عن النظر في أمور الرعية: أما بعد، فإن الرعية إذا علمت تسلُّط الهوى على المَلك تسلَّطت عليه، فاقهر هواك بفضل يقظتك. فكتب إليه الملك: إذا كانت بلادنا عامرة، وعُمَّالنا عادلة، وسُبُلُنا آمنةً، فلِمَ نمتنعُ من لذةٍ عاجلةٍ؟ فكتب إليه: إنما تمهدت الأمور على ما ذكرت باليقظة دون الغفلة، كما أخوفني أن تهدم ما بنته اليقظة بما جنته الغفلة. فانتبه الملك وكتب إليه: صدقتَ أيها الرشيد (١).

وكانت وفاةُ أرسطاطاليس بعد وفاة الإسكندر بيسيرٍ، وعاش ستين سنة، وقال ابنُ حَوقل: إنه مُعلَّق في خشبة بجزيرة صِقِلِّية بالكنيسة، وكانت النصارى تستقي به (٢)، وعاش أفلاطن أيضًا ستين سنة.

قال المصنف : وقد وازن أبو علي بن حسن الحاتمي بين أرسطاطاليس والمتنبي (٣)، فقال:

قال أرسطاطاليس: مَن علم أن الكون والفسادَ يتعاقبان الأشياء، لم يحزن لورود الفجائع. قال المتنبي: [من الطويل]

إذا استقبلَتْ نفسُ الكريم مُصابَها. . . بخُبْثٍ ثَنَتْ فاستدبرته (٤) بطيبِ

وقال: النفس المتجوهرة تأبى مقارنة الذّل [جدًا، وترى فناءها في ذلك بقاءها]، والنفس الدنية بضد ذلك.

قال المتنبي: [من الطويل]


(١) انظر عيون الأخبار ١/ ٨، والعقد الفريد ١/ ٢٤ - ٢٥ و ٤/ ١٩٠، والمنتظم ١/ ٤٢٧.
(٢) صورة الأرض ص ١١٣.
(٣) في هامش (ك) حاشية: هذا لا يطلق عليه موازنة ولا وقع الحافر، وإنما المتنبي كان كثير المطالعة لكتب الفلاسفة، فأخذ هذه الكلمات الحكمية فسبكها شعرًا، والله أعلم.
(٤) في النسخ: فاستقبلته، والمثبت من الرسالة الحاتمية ص ١٤٦ (ضمن كتاب التحفة البهية والطرفة الشهية)، وديوانه ٢/ ٢٠٤ بشرح ابن جني.