للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] الآية (١).

قال المصنف : والعجب من الطبري أن يذكر مثل هذا، ولا خلاف بين عُلماء النقل أن خالد بن الوليد أسلم في سنة ثمان من الهجرة.

قال ابن إسحاق: ولما قال بسْر لرسول الله ما قال، قال: "يا وَيْحَ قُريشٍ، ماذا عليهم لو خَلُّوا بَيني وبَين سائِرِ العربِ، فإنْ هُم أَصابُوني كان الذي أَرادُوا، وإنْ أَظْهَرَني اللهُ عليهم دَخَلُوا في الإِسلامِ وافِرينَ، واللهِ لا أَزالُ أُجاهِدُهم حتى يُظْهِرَ اللهُ أَمْرَه، أَو يَفْرق بَين سَالِفَتي وذاقِنَتي"، ثم قال: "مَن يخرج بنا على غير الطَّريقِ التي هُم عليها"؟ فقال رجل من أسلم: أنا. فسلك بهم طريقًا وَعِرَةً بين الشِّعاب، فشق ذلك على المسلمين، ثم خرجوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، فقال لهم رسول الله : "قُولُوا: نَستَغفِرُ اللهَ ونَتُوبُ إليهِ". فقالوها، فقال: "والذِي نَفْسِي بِيَدهِ إنَّها لَلحِطَّةُ التي عُرِضَت على بني إِسْرائِيلَ، فلم يَقبَلُوها، وبدَّلُوها، ولم يَقُولُوها"، ثم قال: "اسْلُكُوا ذَاتَ اليَمينِ" في طريق يخرجه إلى ثَنِيَّةِ المُرار على مهبط الحديبية من أسفل مكة. فلما رأت قريش قَتَرَة الجيش، وأنه قد خالفهم في طريقهم، رجعوا ناكصين إلى مكة.

ولما سلك رسول الله في ثَنِيَّةِ المُرار، بَركت ناقتُه، فقال الناس: خَلَأَتِ القَصْواءُ. فقال رسول الله : "ما خَلَأت، ولا هُو بخُلُقٍ لها، ولكِنَّها حَبَسَها حابِسُ الفِيلِ عن مَكَّةَ، أَمَا والله لا تَدْعُوني قُرَيشٌ اليومَ إلى خُطَّةٍ يَسأَلوني فيها صِلَةَ الرَّحِم أو رُشْدًا إلا أَعطَيتُهم إيَّاها" (٢).

وقد أخرج الإمام أحمد والبخاري - رحمهما الله - حديثًا رفعاه إلى المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمة ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله عام الحديبية يُريد زيارة البيت، لا يُريد قتِالًا، وسَاق معه الهَدْيَ سبعين بَدَنَةً، وكان الناس سبعَ مئةِ رجلٍ، فكانت كل بدنة عن عَشَرَةٍ، حتى إذا كان رسول الله بعُسْفان، لقيه بُسر بن سفيان الكَعْبي، فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجت معها العُوذُ المَطَافيل قد لبسوا جُلودَ النُّمور، معاهدون الله أن لا تدخُلَها عليهم عَنْوَةً أبدًا، وهذا خالد بن الوليد


(١) "تاريخ الطبري" ٢/ ٦٢٢.
(٢) "السيرة" ٢/ ٣٠٩ - ٣١٠.