للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجِّ، فأودعتُ جاريتي عند أبي حنيفة، ثم مضيت إلى اليمن فأقمت أربعة أشهر، وعدتُ إلى الكوفة، فدخلتُ على أبي حنيفة مسلِّمًا، فقلت: كيف رأيتَ خدمة الجارية؟ فقال: والله ما أبصرتها، وكيف تتوهَّم أني استخدمتُها؟ فسألت الجارية عن أخلاقه في منزله فقالت: والله ما رأيتُ في الدنيا مثلَه، لقد رصدته أربعةَ أشهر فما اغتسلَ من جنابة، فسألتُ جاريته فقالت: إنَّما ترك هذا خشيةَ أن تحنين إلى مثل ذلك (١).

وقال أبو يوسف: جاءه رجل فقال: إني وضعتُ كتابًا على لسانكَ إلى فلان، فوهبَ لي أربعة آلاف درهم، فقال أبو حنيفة: إن كنتم تنتفعونَ بهذا فافعلوا.

وروى الخطيب عن سهل بن مُزاحم قال: كان أبو حنيفةَ كثير التفضُّل على إخوانه، باذلًا لهم حتى عرضه، وكان يقول: اللهم من ضاق صدره بنا، فإنَّ قلوبَنا قد اتسعتْ له (٢).

فصل: وأما وفور عقله وبره بوالديه:

روى الخطيب عن ابن المبارك قال: قلت لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة، ما سمعتُه يغتابُ عدوًّا له قط، فقال سفيان: هو والله أعقلُ من أن يسلِّطَ على حسناتِه ما يذهب بها (٣).

وروى الخطيب عن علي بن عاصم قال: لو وُزِنَ عقل أبي حنيفة بعقل نصفِ [أهل] الأرض لرجَحَ (٤).

وحكى الخطيب عن خارجة بن مصعب أو يزيد بن هارون قال: ما رأيتُ أورعَ ولا أعقلَ ولا أفضلَ من أبي حنيفة (٥)، وما وقع أحد في أبي حنيفة إلَّا دلَّ على نقصانِ عقله (٦).

وحكى الخطيب أيضًا أنَّ أبا حنيفةَ كان يجيء بوالدتِه في شهر رمضان إلى مسجد


(١) وأخرجه أيضًا الصيمري في أخبار أبي حنيفة ص ٣٨.
(٢) انظر تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨١.
(٣) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٧.
(٤) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٧، وما بين حاصرتين منه.
(٥) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٨ من قول يزيد بن هارون.
(٦) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٨ من قول خارجة بن مصعب.