للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرُه؟ قال: هو الَّذي أَساء، قال له المأمون: فندم على شيءٍ كان منه أو من غيره؟ فانتقطع الثَّنوي؟

قلت: والعجبُ من المأمون حيث سمع دعوى الثَّنويِّ، ثم قال له المأمون: أَخبِرني عن قولك: اثنين، هل يستطيع أحدُهما أن يخلقَ خلقًا لا يستعين فيه بصاحبه؟ قال: نعم، قال: فلمَ تعبد اثنين يخالف كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، وواحدٌ يخلق كلَّ شيءٍ خيرٌ لك من اثنين مختلفين؟!.

وقال الصُّولي:] (١) العقلُ أَنفسُ مِنحة، وأَربحُ صفقة، وأبهى حُلَّة، وأفضلُ خلَّة، وأكرمُ صاحب، يؤنسك إذا استوحشتَ من الجهَّال، ويوحشك إذا استأنستَ بالأَغمار، ويريك ما غاب عن عينيك، ويكشف لك ما خَفِيَ عن نظرك، فلله دَرُّ العقلِ من جوهرٍ ما أنفسَه في قلوب الحكماء، وأجلَّه في صدور العلماء، لو تجسَّم حتَّى يُتوسَّم، لكان أحسنَ منظرًا من المعشوق في عين العاشق، وأَحلى من المودَّة في قلب الوامقِ الصادق.

وقال: روِّحوا الأفهامَ كما تروِّحوا الأجسام، فإنَّ العقل المكدودَ ليس لرؤيته لَقاح، ولا لرأيه نَجاح. وقال: العقلُ غريزة، وكما لُه التَّجربة.

وقيل له: بمَ نلتَ ما نلتَ؟ فقال: بطاعة العقلِ وعصيان الهوى.

وقيل له: ما بال الميت يثقل على حامليه؟! فقال: لأنَّه مركَّب من ثِقَل وخِفَّة، فالثقيلُ هو البدن، والخفيفُ هو الرُّوح، فإذا مات بقي الثقيلُ وذهب الخفيف. أخذ هذا المعنى أبو علي بن لاسد (٢) فقال: [من الكامل]

ثَقُلَت زجاجاتٌ أَتتنا فُرَّغًا … حتَّى إذا مُلئت بصِرف الرَّاحِ

خفَّت فكادت أن تطيرَ صَبَابةً … وكذا الجسومُ تَخِفُّ بالأَرواح


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) كذا في (خ) و (ف)، والبيتان في جذوة المقتبس ص ١٧٠، والوافي ٨/ ٣٢٨ منسوبين لأبي علي إدريس بن اليمان العبدري الشبيني الأندلسي، وهما في معجم الأدباء ١٠/ ٣٧ - ٣٨ لأبي علي الحسين بن عبد الله البغدادي.