للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُبغضه النِّزار، قال: فأنت من مُضر؟ قال: فأنا ممَّن تُبغضه المُضَر، قال: فأنت من قُريش؟ قال: لا، قال: فأنت من بني هاشم؟ قال: فأنا ممَّن تَحسُده بنو هاشم. فقام الغلامُ قائمًا وقال: فإذن أنت أميرُ المؤمنين، وسلَّم عليه، فوَصَله.

واعترضه ابنُ زُرعةَ الجُذَامي وقال له: يا أميرَ المؤمنين، انظر لعرب الشام كما تنظر لعَجَم خُراسان، وأَكثر عليه، فقال: قد كثَّرت عليّ، واللهِ ما أنزلتُ قيسًا عن ظهور الخيلِ إلا وأرى أنَّه لم يبقَ في بيت مالي درهمٌ ولا دينار، وأما اليمن، فواللهِ ما تحبُّني ولا أحبُّها قطّ، وأما قُضَاعة، فسادتُها ينتظرون خروجَ السُّفيانيِّ لتكونَ من أَشياعه، وأَمَّا رَبيعة، فساخطةٌ على الله تعالى منذ بُعث محمدٌ من مُضَر؛ ولهذا لم يَخرجْ من الخوارج أحدٌ إلَّا وكانوا معه، فكيف لا أَنظر لعجم خُراسان!

وقال: الواجبُ على مَن خدم الملوكَ ألا يغترَّ بهم عند الرِّضا، ولا ينزعجَ عند السَّخَط، ولا يُلحفَ عليهم في السؤال؛ فإنَّ السلطانَ كالبحر تضطرب أمواجُه تارةً وتارة.

وقال: مَن صحب الملوكَ بالنصيحة لهم والأَمانة، كان أكثرَ عدوًّا ممَّن صحبهم بالخيانة؛ لأنَّ الَّذي ينصحه يتَّفق عليه صديقُ السلطان وعدوُّه، فصديقُ السلطانِ يَغبِطه على منزلته، وعدوُّه يكاشره لمناصحته.

وقال لبعض حُجَّابه: لا أراك على بابي ولك خصمٌ أبدًا.

و [قال أبو العَيناء:] (١) تظلَّم إليه رجلٌ من عَمرو بنِ مَسعدةَ، فوقَّع إليه: يا عَمرو، اُعمر نعمتَك بالعدل، وإلَّا هدمها الجَور؛ فليس بين الحقِّ والباطلِ نَسَب.

ورَفع إليه متظلِّم رُقعةً يقول: يا أميرَ المؤمنين، ظلمني أخوك أبو عيسى، فكتب على رأسها: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَينَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١].

ورفع إليه رجلٌ قصَّةً يتظلَّم من محمد بنِ الفضل الطُّوسي، فوقَّع على رأسها: قد احتملنا شراسةَ خُلقِك يا محمد، أما ظلمُك للرعيَّة فلا.

و [قال الصُّولي:] (٢) خرجتْ [يومًا] رقعةٌ من المأمون وفيها: يُعطى غسانُ بن عبَّادٍ


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).