للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

درهمٍ وليس له صَنعةٌ ولا مات، فرفع إليَّ صاحبُ الخبرِ أنَّ نفقتَه في كلِّ شهرٍ أربعةُ آلاف درهم، من أين الثلاثةُ آلاف! وهذا محمدُ بن سماعةَ ولَّيناه قضاءَ دمشق ورزقناه في كلِّ شهرٍ ألفَ درهم، وقد رُفع إلينا أنَّه يملك من العقار والعبيدِ والإِماء والدوابِّ ما قيمتُه مئةُ ألفِ دينار، وأشار علي عليُّ بن هشامٍ في فلان، فولَّيته القضاء، فمضى إلى ابن هشامٍ وقبَّل رأسَه وشكره حيث أَشار بولايته، فعلمتُ أنَّه لا خيرَ عنده، إذ لو كان عنده خيرٌ لعَدَّ الَّذي صار إليه مصيبة، ولكن إذا أردتَ العفيفَ النظيف الطاهرَ التَّقي، فعليك بإسماعيلَ بن حمادِ بن أبي حنيفة؛ فإنَّه على الحالة التي عرفناه عليها، ما بدَّل ولا غيَّر.

قال: فقلت: جزاك اللهُ خيرًا عن أَمانتك، ما لك من الخلفاء نظيرٌ إلا عمرُ بن الخطاب؛ فإنَّه كان يفحص عن عمَّاله وقُضاته، فقال: يا بِشر، إنَّ أهمَّ الأمور أمرُ القضاة؛ إذ حكَّمناهم في الأموال والفُروجِ والدِّماء، واللهِ لَوددتُ أن يتأتَّى رجلٌ مَرضيٌّ (١) وأَني أجوع يومًا وأَشبع يومًا].

وقال إبراهيمُ بن عيسى بن بُريهةَ بن المنصور: لمَّا أراد المأمونُ المسيرَ إلى الشام، أَقمتُ يومَين وبعضَ الثالث أُهيِّئُ له كلامًا، فدخلتُ عليه فقلت: أطال اللهُ بقاءَ أميرِ المؤمنين في أَدوم العزِّ وأَسبغِ الكرامة، وجعلني من كلِّ سوءٍ فداه، إنَّ مَن أمسى وأصبح يتعرَّف من نعمة اللهِ ﷿ -وله الحمدُ كثيرًا عليه- برأي (٢) أميرِ المؤمنين -أيَّده الله- وحُسْنِ (٣) تأييده له، حَسُنَ أن يستديمَ هذه النِّعمة، ويلتمسَ الزيادةَ فيها بشكر اللهِ وشكرِ أمير المؤمنين [وقد أحبَّ أن يَعدمَ أميرُ المؤمنين] (٤) أنِّي لا أرغب بنفسي عن خدمتِه بشيءٍ من الخَفض والدَّعة، إذ كان هو يتجشَّم خُشونةَ السَّفرِ ونَصَبَ الطريق، وأنا أوْلى الناسِ بمواساته، وبذلِ نفسي في خدمته، فإنْ رأى -أَكرمه الله- أن يُكرمَني بلزوم خدمتِه والكينونةِ معه، فعل.


(١) في (ب): رجلًا مرضيًّا. والكلام ليس في (خ) و (ف).
(٢) في (خ) و (ف): أن يتعرف برأي، .. ، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٦٥١.
(٣) في (خ) و (ف): وأحسن.
(٤) ما بين حاصرتين من (ف).