للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: لا تسمع ممن يقول الجوهر والعرض والاسم والمسمى، والتلاوة والمتلو، لأنه شيء لا يحيط به أوهام العوام، بل قل: آمنت بما جاء من عند الله، وبما صح عن رسول الله ، هذا شيء يفهمونه.

وقرأ بين يديه قارئ، فأطرب الجمع، فأنشد: [من الطويل]

ألا يا حمامي بطن نعمانَ هجتُما … عليَّ الهوى لما تغنيتما ليا

ألا أيها القمريتان تجاوبا … بلحنيكما ثم اسجعا لي علانيا

وقرأ بين يديه قارئ حسن الصوت، فأطرب الجماعة، ثم قرأ بعده آخر مزعج الصوت، فنغَّص الجماعة. فقال جدي: كان لبعضهم جاريتان مغنيتان، إحداهما تغني طيبًا، والأخرى مزعجًا، فكان إذا غنت الطيبة الصوت يمزق ثيابه، وإذا غنت القبيحة الصوت يقعد يخيط ما مزّق.

قلت: حضر مجلسي بجامع دمشق في سنة عشر وست مئة القضاة والأشراف والأعيان، والملك المعظم عيسى ، وشيوخنا جمال الدين الحصيري، وتاج الدين الكندي، والقاضي شمس الدين بن سني الدولة، وكان مجلسًا عظيمًا، احتوى على عشرة آلاف وزيادة على باب مشهد علي ، وكان بمجلسي قارئان أحدهما يقال له النجيب البغدادي، إذا قرأ طربنا، والآخر يقال له الشرف ابن مي إذا قرأ أزعجنا. فحكيت للجماعة حكاية الجاريتين المغنيتين، وكان تاج الدين الكندي قاعدًا في القبة التي في وسط المجلس، فصاح: يا بني، كلنا اليوم نخيط (١).

وقيل لجدي: إن فلانًا أوصى عند الموت، فقال: طيَّن سطوحه في كانون!

وقال له قائل: أيما أفضل، أسبح أم أستغفر؟ فقال: الثياب الوسخة أحوج إلى الصَّابون من البخور.


(١) كنت ذكرت في "المذيل على الروضتين": ١/ ١٦٠ أن هذا النص ليس في نسخ "مرآة الزمان"، ولم أكن قد وقفت عليه في هذا الموضع، فليعذرني القارئ.