للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحَرم وبعضه في الحل، فقام وقال: "أَيُّها النَّاسُ، انْحَروا واحلقُوا". فما قام أحد، فدخل رسول الله على أمِّ سَلَمةَ فشكا إليها الناسَ، فقالت: يا رسول الله، قد دخلهم ما رأيتَ فلا تكلِّمَنَّ منهم إنسانًا، واعْمِدْ إلى هَدْيكَ حيث كان فانحره واحلق رأسك، فلو قد فعلتَ ذلك فعله الناس. فخرج رسول الله ففعل ذلك، فقام الناس ينحرون ويحلقون حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وَسَطِ الطريق نزلت سورة الفتح.

وجاء نِسْوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ﴾ إلى قوله: ﴿بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠]، فطلّق عمر رضوان الله عليه امرأتين كانتا له في الجاهلية، فتزوج إحداهما معاويةُ بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع رسول الله إلى المدينة (١).

قال موسى بن عقبة: وتفلَّت رجلٌ من أهل الإسلام من ثقيف يقال له: أبو بَصير بن أُسَيْد، فأتى رسولَ الله مسلمًا مهاجرًا، فبعث في أثره الأخنسُ بن شَريق رجلين من بني مِنْقَر، أحدهما مولى، والآخر جحش بن خليفة من أنفسهم، وجعل لهما جُعْلًا في إحضاره، فدفعه رسول الله إليهما، فخرجا به حتى إذا كانا بذي الحُلَيْفةِ سلَّ جحش سيفه ثم هزه وقال: سأضرب بسيفي هذا في الأوس والخزرج يومًا إلى الليل. فقال له أبو بَصير: أَوَ صارِمٌ سيفُك هذا؟ قال: نعم. قال: ناولنيه لأنظر إليه. فلما قبضه ضربه به حتى بَرد، ويقال: بل تناول سيف المِنْقري وهو نائم فقطع به إسارَه ثم ضربه به حتى برد، وطلب الآخر ففرَّ مذعورًا حتى دخل المسجد على رسول الله ، فقال رسول الله : "لقد رأى هذا ذُعْرًا". فلما انتهى إلى رسول الله قال: قُتِلَ والله صاحبي، وإني والله لمقتول. وجاء أبو بَصير بسَلَبِ المقتول فقال: يا رسول الله، خمِّسْه. فقال: "إذا خَمَّسْتُه لم أَفِ لهم بالذي عَاهَدتُهم عليه، ولكِنْ عليك بسَلَبِ صاحِبِكَ واذهَب حيثُ شِئتَ".

وقيل: جاء أبو بَصير إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم. فقال رسول الله : "ويلُ امِّه مِسْعَرُ حَرْبٍ لو كان له رجال". فلما سمع


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٨٩١٠)، والبخاري (٢٧٣١).