للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، عرف أنه سيرجع إليهم فخرج إلى سِيفِ البحر، وتفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عِصابة، فما يسمعون بعِيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوها، فقتلوهم وأخذوا أموالَهم، فأرسلت قريش إلى رسول الله تناشده الله والرَّحِمَ لَما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فإنه آمن، فأرسل إليهم. وأنزل الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] حتى بلغ: ﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، وكانت حَمِيَّتُهم أنه لم يُقِرّوا ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وحالوا بينه وبين البيت. وقد أخرجه الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" أتم من هذا (١).

قال ابن إسحاق: والذي نزل بالسهم إلى القَليبِ ناجيةُ بن عمير الأسلمي سائقُ بُدْن رسولِ الله ، ولما نزل وقفت عليه جارية من الأنصار وقالت: [من الرجز]

يا أَيُّها المائِحُ دَلْوِي دُونَكا

إنِّي رَأَيتُ النّاس يَحْمَدونكا

يُثنُونَ خيرًا ويُمجِّدونَكا

فقال وهو في القليب:

قد علمتْ جاريةٌ يمانِيَهْ

أنِّي أنا المائِحُ واسمي نَاجِيَهْ (٢)

وقد فرقت العرب بين المائح والماتح، فجعلت النقطتين اللتين من تحت لمن تحت، واللتين من فوق لمن فوق.

وقال جابر بن عبد الله: عَطِشَ الناس يوم الحديبية، وبين يدي رسول الله رَكْوَةٌ يتوضأ منها، إذ جهش الناس إليه أو نحوه، فقال: "ما شأنكم"؟ قالوا: يا رسول الله، ليس لنا ماء نشرب منه ولا نتوضأ به إلا ما بين يديك. فوضع رسول الله يده في الرَّكوة فجعل الماء يفيض من بين إصبعيه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قال سالم بن أبي الجعد: فقلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مئة ألف لكفانا، لكنا كنا خمس عشرة مئةً.


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٨٩٢٨)، والبخاري (٢٧٣١)، والحميدي في "الجمع بين الصحيحين" (٢٨٦٠).
(٢) "السيرة" ٢٠٠/ ٣١٠ - ٣١١.