للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فروى الطبريّ عن أبي مِخْنَف، عن سديوإن بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: شهدتُ ابنَ زياد وهو ينكتُ بقضيب بين ثَنِيَّتَيهِ ساعةً، فلما رآه زيد بنُ أرقم لا يُنْجِمُ (١) عن نَكْتِه بالقضيب قال له: اعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثَنِيَّتَين، فوالذي لا إله إلا هو، لقد رأيتُ شَفَتَي رسولِ الله على هاتين الشَّفَتَين يُقَبِّلُهما. تم انْفَضَخَ (٢) الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينَك، فواللهِ لولا أنَّك شيخ قد خَرِفْتَ وذهبَ عقلك لضربتُ عنقك، فقام وخرج، فسمعت الناس يقولون: واللهِ لقد قال زيد بن أرقم قولًا لو سمعَه ابن زياد لقتلَه. فقلتُ: ما قال: قالوا: مرَّ بنا وهو يقول: أنتم يا معاشر العرب العبيدُ بعد اليوم، قتلتُم ابن فاطمة، وأمّرتُم ابنَ مَرجانة (٣)، فهو يقتُلُ خِياركم، ويستعبد شِراركم، فبعدًا لمن رضيَ بالذّلّ والعار (٤).

وقال الواقدي: لما قال ابن زياد لزيد بن أوقم ما قال، قال له زيد: واللهِ لأحدِّثنَّك حديثًا هو أغلظُ من هذا، رأيتُ رسول الله أقعدَ حسنًا على فخذه اليمنى، وحسينًا على فخذه اليسرى، ثم وضع يده على نافوخهما وقال: "اللهمَّ إني أستودعُك إيَّاهما وصالحَ المؤمنين". فكيف كانت وديعتُك رسولَ الله يا ابنَ زياد؟! ثم قام فخرج، ولم يعد إليه بعد هذا.

ولما فرغ ابنُ زياد من قرع الرأس بالقضيب كان له كاهن، فقال له: قم فضع قدمك على رأس عدوِّك. ففعل (٥).

ولما حضر الرأس بين يدي ابن زياد، أمر بتقويره، فلم يتجاسر أحدٌ أن يُقدم عليه، فقام طارق بن المبارك الكوفي -وكان حجَّامًا [وهو] (٦) جدّ أبي يعلى كاتبِ عُبيد الله


(١) أي: لا يُقلع، وتحرفت في (ب) و (خ) إلى: لاهجه، والمثبت من "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٥٦. والكلام ليس في (م).
(٢) أي: بكى وكثر دمعه.
(٣) مرجانة هي أمُّ عُبيد الله بن زياد.
(٤) تاريخ الطبري ٥/ ٤٥٦. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٥٠٤ - ٥٠٥.
(٥) لم أقف عليه، ولم يرد في (م).
(٦) لفظة "وهو" من عندي، من أجل السياق.