للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن خاقان وزير المتوكّل -فقوَّره، فقال له ابن زياد: أَخْرِجْ لَغَادِيدَه (١) - وهي اللحم الذي بين الحنك وصفحة العنق (٢) - ففعل، فقام إليه عَمرو بن حريث المخزومي فقال: قد بلغتَ حاجتك من هذا الرأس، فهبْ في ما ألقيت [منه] قال: وما تصنع به؟ قال: أُواربه. قال: خذه. فاخذَه في طرف ردائه، كان من خَزٍّ أَدْكَنَ، وحمله إلى دار، فغسله، وطيَّبه، ولفَّه في خرقة خَزّ، ودفنَه في داره، وتُعرف اليوم بدار عَمرو بن حُريث بالكوفة.

فكان ممن حضر ذلك المجلس رجلٌ من بكر بن وائل يقال له: جابر [أو جبير]، فلما رأى ما صنع ابن زياد قال في نفسه: [للهِ] عليَّ أنْ لا أُصيبَ عشَرَة من المسلمين خرجوا عليك إلا خرجتُ معهم.

فيقال: إنه هو الذي باشرَ قتل ابن زياد، [وسنذكره هناك].

[قال أبو مِخْنَف:] (٣) ولما دخلوا برأس الحسين وصبيانه وأخواته على ابن زياد؛ تنكَّرت زينبُ بنتُ عليّ، ولبسَتْ أرذل ثيابها، وحفَّت بها إماؤها، فلما دخلت جلسَتْ، فقال ابن زياد: مَنْ هذه الجالسة؟ فلم تكلِّمه. قال ذلك ثلاثًا وهي ساكتة. فقال بعض إمائها: هذه ابنةُ فاطمة بنت رسول الله . فقال ابنُ زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلَكَم، وأكذبَ أُحدوثتكم. فقالت زينب: الحمدُ لله الذي أكرمَنا بمحمد ، وطهَّرَنا تطهيرًا، لا كما تقول أنت، وإنَّما يَفْتَضحُ الفاسق، ويُكذَّبُ الفاجر. قال: فكيف رأيتِ صُنع الله بأهل بيتك؟ قالت: كُتب عليهم القتلُ، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللهُ بينك وبينهم فتتخاصمون عنده.

قال: فاستشاطَ ابنُ زياد غضبًا. فقال له عمرو بن حُريث: إنما هي امرأة، والنساءُ لا يؤاخَذْنَ بمنطقهنّ. فبكت زينب وقالت: قتلتَ كهلي، وأَثرتَ (٤) أهلي، وقطعتَ


(١) جمع لُغْدُود، ووقع في (ب) و (خ): أخاديده.
(٢) في (ب) و (خ): الحلق. والمثبت من (م) ووقع الخبر فيها بسياق مختلف عن (ب) و (خ)، ونسب فيها إلى عبد الله بن عمر الوراق في كتاب مقتل الحسين.
(٣) كلُّ ما سلف بين حاصرتين من (م).
(٤) في (م): وأبرزت، وفي "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٥٧: وأبَرْتَ.