للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودخل عليه نُصَيب، وكنيتُه أبو مِحْجَن، وهو مولى عبد العزيز بن مروان، فقال له: يا أمير المؤمنين، قد عرفتَ انقطاعي إلى أبيك. ثم استأذنَه في الإنشاد، فلم يأذن، فغضب، فأمره باللحاق بدابِق (١) للغزو، ثم قال لمولاه مُزاحم: ما عندك؟ ما غلَّتي بالحجاز؟ قال: خمسون درهمًا. قال: ادفَعْها إليه. فقال نُصيب: إني قد علفتُ دابَّتي بأكثرَ من هذا! فقال: أعْطِهِ ثيابَ الجُمعة. فأعطاه إيَّاها (٢).

قال الهيثم: ولما أنشد الشعراء، قال لهم: واللهِ ما عندي ما أُعطيكم، فانتظِرُوا عطائي. فلما خرج؛ أعطى كل واحد منهم ثلاث مئة درهم، وأمر لنُصيب بمئة وخمسين.

قال الأحوص: فواللهِ ما رأيتُ عطاءً أكثر بركةً منها. فاشتريتُ بها وصيفةً، فبعتُها بألف دينار (٣).

وقال دُكين الشاعر: مدحتُ عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة، فامر لي بخمس عشرة ناقةً كرائمَ، فقَدِمَتْ رُفْقَةٌ من مصر، فسألتُهم الصحبة، فأتيتُه فودَّعتُه، فقال: يا دُكين، إنَّ لي نفسًا توَّاقة، فإنْ صِرْتُ إلى غير ما أنا فيه فائْتنِي ولك الإحسان. قال: وكان عنده شيخان لا أعرفُهما، فقلت لأحدهما: مَنْ أنتَ؟ قال: سالم بن عبد الله بن عُمر، وقال الآخر: أنا أبو يحيى مولى الأمير. قال: وخرجتُ إلى مصر بالنُّوق، فجعل الله فيهنَّ البركة حتَّى اقتنيتُ منهنَّ الإبل والعبيد.

فأنا ذات يوم بصحراء بَلْخ (٤)؛ إذا بِناعٍ يَنْعَى سليمان بن عبد الملك، فقلت: ومَنْ قام بعدَه؟ قالوا: عُمر. فتوجَّهتُ نحوه، فلقِيَني جرير الشاعر مقبلًا، فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من عند من يعطي الفقراء، ويمنع الشعراء، فانطلقت إلى خُناصرة (٥)، وإذا به في عرصة الدار، وقد أحاط به الناس، فلم أخلص إليه، فناديت:


(١) قرية على أربعة فراسخ من حلب.
(٢) ينظر إضافة إلى ما سبق: "تاريخ دمشق" ١٧/ ٥٥٦ (مصورة دار البشير- ترجمة نُصيب).
(٣) الأغاني ٩/ ٢٦٠.
(٤) في "الأغاني" ٩/ ٢٦١: فَلْج.
(٥) بُليدة من أعمال حلب تحاذي قِنَّسرين. معجم البلدان ٢/ ٣٩٠.