للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا عُمر الخيراتِ والمكارمِ … وعُمرَ الدَّسائعِ (١) العظائمِ

إني امرؤٌ من قَطَن بنِ دارمِ … أطلبُ دَيني من أخي مَكارِمِ

شهادتي واللهُ خيرُ عالمِ … عند أبي يحيى وعند سالمِ

فقام أبو يحيى فقال: يا أمير المؤمنين، لهذا البدويّ عندي شهادةٌ. فقال عُمر: أعرفُها. ثم قال: يا دُكين، ادْنُ منِّي. فدنوتُ منه فقال: أنا كما قلتُ لك، لي نفسٌ توَّاقة لم تزل تتوق إلى الإمارة حتَّى نلتُها، فتاقَت إلى غاية ما في الدنيا، وهي الخلافة، وها هي تتوق إلى الآخرة.

ثم قال: والله ما رزأتُ من أموال المسلمين شيئًا، وما عندي إلا هذه الألف درهم، فخُذْها. فأخذتُها، فبارك الله لي فيها.

وأنشد عمر يومًا قول الأحوص:

سيبقى لها في مضمر القلب والحَشَا (٢)

فقال: قاتله الله ما أغفله عن قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق: ٩].

ونفى الفرزدق من مسجد رسول الله وقال: أيُنْشِدُ الهجوَ بحضرة رسول الله؟!

وقال أبو سريع الشامي: قدم وفد من أهل العراق لما استخلف عمر وفيهم غلام فتكلَّم، فقال عمر: الكبيرَ الكبيرَ. فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان الأمرُ بالكِبَر؛ لكان في هذه الأمة من هو أكبر سنًّا منك، وإنَّما المرءُ بأصغَرَيهِ قلبِه ولسانِه. قال: صدقت، تكلَّم. قال: نحن وفدُ الشكر، لا وفدُ الرَّهبة والرغبة، أما الرغبة فقد أتَتْ إلينا منك في بلادنا، وأما الرهبة فقد أمنَّا بعَدْلِك من جَوْرك، فالحمد لله الَّذي منَ علينا بك. فقال عمر: يا غلام، عِظْني وأوْجِزْ. فقال: إن أناسًا غرَّهم حلمُ الله عنهم، وحُسنُ الثناء عليهم، وطولُ آمالهم، فلا يغرَّنَّك ذلك فتزلَّ قدمُك (٣).


(١) جمع دَسِيعة، وهي العطية.
(٢) وعجزه: سريرةُ حبٍّ يوم تُبلى السرائر. والخبر بنحوه في "أنساب الأشراف" ٧/ ١٤٥.
(٣) مروج الذهب ٥/ ٤٢٧ - ٤٢٨، وبنحوه في "أنساب الأشراف" ٧/ ٧٤.