للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمَّة حتَّى رغبَ في الدنيا، ونازعَ الخلافةَ أهلَها، فخلَعَ طاعةَ الله، واستكنَّ في حَرَم الله، ولو كان شيءٌ يمنعُ العصاةَ لمنع (١) آدمَ حرمةُ الجنَّة، وقد خلقَه اللهُ بيده، ونفَح فيه من روحه، وأسجَدَ له ملائكتَه، فلما عصاه أخرجَه من الجنَّة بخطيئته، وعاقبَه فيها، وآدمُ هو أكرم على الله من ابن الزبير، والجنَّةُ أعظمُ حُرمة من الحَرَم والكعبة (٢).

وقال الشافعي : خطبَ الحجاجُ بعد قتلِ ابنِ الزبير، فقال: إنَّ ابنَ الزُّبير غيَّر كتابَ الله، فناداه ابنُ عمر: لو شئتُ أن أقول: كذبتَ؛ لقلتُ.

[قال المدائني:] ولما بلغَ عبدَ الملك قتلُ ابنِ الزُّبير خَرَّ ساجدًا، ثم دعا بمقراض، فأخذَ من ناصيته ونواصي أولاده، وكان عندَه رَوْح بنُ زِنْباع، فأخَذَ من ناصيته وقال: أنتَ منَّا.

وتحصَّنَ سَعْد مولى عُتبة بنِ أبي سفيان بالطائف في خمسين رجلًا، فأنزلهم ابنُ الزُّبير، فضربَ أعناقَهم في الحَرَم، فقال عبد الله بن عمر: ما أحمقَ هذا الرجل! أما إنه لم يَقْتُل [أحدٌ] أحدًا في الحَرَم إلا قُتِلَ به. ولو لَقِيتُ قاتلَ أبي في الحَرَم؛ لما تعرَّضْتُ له (٣).

وقال الإمام أحمد : حدَّثَنا محمد بنُ كُناسة، حدَّثَنا إسحاق بنُ سعيد، عن أبيه قال: أتى عبدُ الله بنُ عمرَ بنِ الخطَّاب عبدَ اللهِ بنَ الزُّبير فقال: يا ابنَ الزُّبير، إيَّاك والإلحاد في الحَرَم -أو في حرم الله- فإني سمعتُ رسولَ الله يقول: "إنه سيُلحِدُ فيه رجلٌ من قريش لو تُوزن ذنوبُه بذنوب الثَّقَلَين لَرَجَحَتْ". فانْظُرْ لا تكونُهُ (٤).

وكانت مدَّةُ حصار الحجَّاج لابن الزُّبير ببطن مكة ستةَ أشهر وسبعةَ عشرَ ليلةً خَلَتْ من جمادى الأولى، وكان سنُّه اثنتان وسبعون سنة (٥).


(١) في (أ): لمنعت.
(٢) مختصر "تاريخ دمشق" ٦/ ٢٠٣. وقد نُسب الخبر في (م) لابن عساكر.
(٣) أنساب الأشراف ٤/ ٣٥٥، ولفظة "أحد" بين حاصرتين منه.
(٤) مسند أحمد (٦٢٠٠)، وروى أحمد أيضًا نحوه مختصرًا من حديث عبد الله بن عَمرو (٦٨٤٧).
(٥) كذا هي عبارة النسخ في (أ) و (ب) و (خ) و (د). وجاء في (م) ما صورتُه: واختلفوا في مدة حصار الحجَّاجِ ابنَ الزُّبير، فقال ابن سعد عن الواقدي: كانت الحرب بين ابن الزبير وبين الحجَّاج ببطن مكة ستة أشهر =