للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الفضلُ لأبيه (١): يا أَبَة، بعد الأمرِ والنَّهي والأموالِ العظيمةِ أَصارنا الدهرُ إلى القيود ولُبسِ الصوفِ والحبوس! فقال له: يا بُني، دعوةُ مظلوم، سَرَت بليل، غَفَلْنا عنها ولم يغفُل اللهُ عنها، ثم قال يُنشد: [من الرمل]

ربَّ قومٍ قد غدَوا في نعمةٍ … زَمَنًا والدَّهرُ ريَّانُ غَدَقْ

سكت الدهرُ زمانًا عنهمُ … ثم أَبكاهم دمًا حينَ نَطَقْ

[ذكر دخول زوجة يحيى على هارون:

حكى العُتبيُّ والهيثمُ بن عَدي عن] الفضلِ بن الرَّبيع [قال] (٢): كانت أمُّ جعفرِ بن يحيى، وهي فاطمةُ بنت محمَّد بن الحسين بن قَحْطَبة، وقيل: اسمُها عُبادة، وليست أمَّ الفضل [التي أَرضعت الرشيدَ بلِبانها] وكان هارونُ يُكرمها كما يفعل بأمِّه الخَيزُران، ويتبرَّك برأيها ولا يحجبها عنه، ويسمّيها: أمِّي، فلمَّا نكب البرامكةَ حجبها عنه، فطلبت الإذنَ عليه، فحُجِزَت عنه، فلمَّا طال ذلك عليها، خرجت كاشفة وجهَها، حاسرة حافية، واضعةً لِثامها، فوقفت ببابه، فأعظم الناسُ ذلك، فدخل الحاجبُ فقال: أمُّ أميرِ المؤمنين في حالٍ تَسرُّ الشامتَ وتسوء الصَّديق، فأَذن لها، فدخلت، فلمَّا رآها على تلك الحال، قام حافيًا فتلقَّاها من باب المجلس، وأكبَّ يقبِّل رأسَها ومواضعَ يديها، وأَقعدها معه في فراشه، فبكت وقالت: يا أميرَ المؤمنين، أَيعدو علينا الزَّمان، ويخوِّفنا الأَعوان (٣)، ونجرُّ ذيل الهوان، وقد ربَّيتك في حِجري، وأخذتُ بذلك الأمانَ من دهري!؟ فقال: وما ذاك يا أماه؟ قالت: ظِئرُك يحيى وأبوك بعد أبيك، فقال لها: أمرٌ سبق وقضاءٌ نفذ، فقالت: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)[الرعد: ٣٩] قال: فهذا أمرٌ لم يمحُه، فقالت: الغيب محجوبٌ عن النبيِّين، فكيف عنك يا أميرَ المؤمنين. فأَطرق ساعةً ثم رفع رأسَه وقال: [من الكامل]


(١) في تاريخ بغداد ١٦/ ١٩٨، والمنتظم ٩/ ١٩١ أن القائل جعفر بن يحيى. وفي حاشية الأصل من المنتظم أنه الفضل. وأبهمه الذهبي في تاريخ الإسلام ٤/ ١٠٠٠، وابن كثير في البداية والنهاية ١٣/ ٦٧٩. ونسب القول الذهبي في السير ٩/ ٩٠ لأولاده.
(٢) في (خ): قال الفضل بن الربيع، وما بين معكوفين من (ب).
(٣) في العقد الفريد ٥/ ٦٣: ويجفونا خوفًا لك الأعوان.