للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استشار من أصحابه في أمر الأسارى، فأشار عليه أبو بكر وعمر ما أشارا به، وقد ذكرت هذِه القصة فيما مضى، وكل ذلك إتباعًا لأمر اللّه، وليتأدب به الأئمة، قال اللّه جل ذكره: " ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (١).

كان الحسن البصري يقول في هذِه الآية: قد علم اللّه أنه ليس به إليهم حاجةً، ولكن أراد أن يستن به بعده.

وقال الحسن البصري: ما يشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم.

وقال - الضحَّاك: ما أمر اللّه بالمشورة إلا لما علم بما فيها من البركة، وكان سفيان يقول: بلغني أنَّها نصف العقل، وقد ذكرت الأخبار في هذا في غير هذا الموضع، وإذا كان النبي مع نزول الوحي عليه مما يدرك به [عين] (٢) الصواب، قد أمر بذلك، فمن ليس في معناه من الأئمة بعده أولى أن لا يستبد أحدهم برأي دون أصحابه؛ لأن الصواب ربما أجراه اللّه على لسان من دون الإمام في العلم والرأي، يقال: إن عمر بن الخطاب كان يشاور حتى المرأة. وجملة الأمر أن المشورة لا تؤدي إلا إلى خير، وعلى أن المخطئ بعد أن يشاور أصحابه أعذر عندهم من المستبد برأيه دونهم، ويدل على أن الصواب يجب قبوله ممن أشار به، وإن كانت امرأةً؛ لأن النبي يوم الحديبية، لما فرغ من قضية الكتاب، قال لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا". فلما لم يقم أحد، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، قالت أم سلمة: يا نبي الله: أتحب ذلك، أخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج، وفعل ذلك.


(١) آل عمران: ١٥٩.
(٢) في "الأصل"، "ر": عن. والمثبت موافق للسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>