للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: "والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها"، يحتمل معنيين: أحدهما: يريد إن شاء اللّه، فأضمر ذلك واختصر الكلام؛ لأن النبي لا يجوز أن يقول إنه فاعل فعلًا فيما يستقبل إلا على ما أمر اللّه به، قال اللّه: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ (١).

أو يقول قائل: إن اللّه لما أعلمهم أنه معطيهم كل خطة دعت إليه قريش يعظمون بها حرمات الله، ترك الاستثناء لعلمه بأنه فاعل ذلك لا محالة، لما أعلمه اللّه ذلك، والمعنى الأول أحب إليَّ مع أن رجوعه بعدما صالحهم وتركه قتالهم في الحرم من تعظيم حرمات اللّه، استدلالًا بقول النبي لما فتح الله عليه مكة: "إن الله حبس الفيل عن مكة، وسلط عليها رسول الله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعةً من نهار، وإنها ساعتي هذِه" (٢).

وقد يجوز أن يكون معنى ذلك أي لا تبدءوا فيها بقتال، لا أن محاربة من حاربهم لا يجوز، استدلالًا بقوله جل ثناؤه: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ (٣)، وهذا موافق لقوله: "أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه" فتكونوا مقاتلين إذا بدئوا بالقتال، لا مبتدئين قتالًا في الحرم.


(١) الكهف: ٢٣ - ٢٤.
(٢) رواه البخاري (١١٢)، ومسلم (١٣٥٥/ ٤٤٨) من حديث أبي هريرة.
(٣) البقرة: ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>