للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن ذلك انتزاعه السهم من كنانته، لما شكوا إليه العطش، وأمره إياهم أن يجعلوه في الماء، وذلك أحد علامات النبوة التي أعطاه اللّه ليتحقق عند من حضر ذلك أمره، وأنه نبي مرسل، وليزدادوا من أمره وصدقه بذلك بصيرة.

ومن ذلك الإباحة لإمام المسلمين مهادنة المشركين إلى مدة معلومة، على غير مال يأخذه منهم، إذا كان ذلك على النظر للمسلمين، فإن اللّه قد فرض قتال المشركين من أهل الأوثان حتى يسلموا، وقتال أهل الكتاب حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية، وإنما فرض ذلك على من أطاق قتالهم، دون من له مهادنتهم ممن يعجز عن قتالهم، إلى مدة معلومة يرجو أن يقوى إلى تلك المدة، إذ من تخلف عن القتال للعذر غير آثم، ولا حرج، وقد وادع النبي عند قدومه المدينة ناسًا على غير مال أخذه، وفعل ذلك عام الحديبية؛ لأنه رأى أن أحوط للمسلمين مهادنة عدوهم إلى مدة يقوون بانقضائها عليهم، فهادنهم عشر سنين، كما ذكر ابن إسحاق، يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض، ويقال: نزلت هذِه الآية مرجعه من الحديبية: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ (١).

٦٢٧٨ - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن قتادة، عن أنس أن هذِه الآية نزلت على رسول الله مرجعه من الحديبية، والنبي وأصحابه مخالطو (٢) الحزن والكآبة، وقد حيل بينهم وبين مناسكهم، ونحروا الهدي بالحديبية، فقال قتادة عن أنس أن النبي قال: "نزلت عليّ آية أحب إلي من الدنيا جميعًا"، قال: فلما


(١) الفتح: ١.
(٢) عند مسلم: "يخالطهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>