للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك؛ لأن قتالهم متى قدر عليه يجب إذا كانوا أهل أوثان حتى يسلموا، وقتال الذين أوتوا الكتاب يجب حتى يسلموا، أو يؤدُّوا الجزية، وإذا هادنهم على غير مدة، كان ذلك عقدًا خلاف ظاهر كتاب الله، وذلك مردود؛ لأن الله أمر بقتال المشركين، ولا يجوز أن (يعقد) (١) عقدًا خلاف أمر الله.

وقالت طائفة: أن النبي إنما صالحهم وهو غير عاجز عن قتالهم، ألا تراه أخبر أن قريشًا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم، ولم يصالحهم على وضع الحرب بينهم هذِه المدة؛ لأنهم أقوى منه، وأكثر عددًا وعدة منه، بل طمعًا أن يسلموا أو بعضهم.

وفي مهادنة الإمام أهل الشرك مدة أطول من مدة الحديبية قولان: أحدهما: إن ذلك لا يجوز أن يهادن قومًا أكثر من عشر سنين؛ لأن ذلك أقصى ما يحفظ عن رسول الله أنه هادن قومًا، وذلك أن الله فرض قتال المشركين، فلما هادن رسول الله مشركي أهل مكة، كانت تلك المدة مع العذر الموجود أقصى مدة، يجوز للإمام أن يهادن إلى مثلها على الصلاح لأهل الإسلام، وبه أقول. والقول الثاني: إن ذلك للإمام، يصالح على قدر ما يرى فيه الصلاح لأهل الإسلام.

ومتى أبحنا للإمام أن يصالح قومًا على ما ذكرناه، فانقضت المدة التي صالحهم عليها، واحتاج الإمام إلى أن يجدد بينه وبينهم صلحًا إلى مدة ثانية، فله أن يفعل ذلك إلى أن يقوى أهل الإسلام، لأن العلة التي لها صالحهم في المرة الأولى، قائمة حين صالحهم المرة الثانية، ولا فرق بينهما لحاجة أهل الإسلام إلى ذلك.


(١) في "ض": يعقدوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>