للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[رأيتني] (١) أرد أمر رسول الله برأيي اجتهادًا، والله ما آلوا عن الحق، وذلك يوم أبي جندل في الكتاب بين رسول الله وأهل مكة، فقال: "اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم"، فقالوا: إذًا صدقناك بما تقول، ولكن نكتب كما كنت تكتب، باسمك اللهم، فرضي رسول الله ، وأبيت عليهم حتى قال لي: "يا عمر! أتراني رضيتُ وتأبى أنت؟! قال: فرضيت (٢).

قال أبو بكر: وكان رسول الله أعلمهم بالله، وأشدهم له خشيةً، ولأمره تعظيمًا، ولدينه إعزازًا، ولم يجب إلى ذلك إلا بعد أن رأى أن ذلك أحوط لأهل الإسلام، ولعل فعله ذلك كان عن أمر ربه، بل لا شك فيه، لقوله لعمر: "إني رسول الله، ولست أعصيه" وليس في شيء من ذلك لله معصية، وذلك أن المعنى في قوله: "باسمك اللهم" كالمعنى في قوله "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ لأن كل ذلك مخاطبة لله وحده لا شريك له، ليس منه شيء مضاف إلى غيره، وكذلك قوله: "هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله"، مع ترك ذكر رسول الله ، لا يغير معنى النبوة، ونسبته إلى أبيه صدقًا وحقًا، وليس في رد من رد منهم فيما شرطوه في الكتاب، أكثر من تخوف الفتنة على من رُد إليهم منهم، وقد وضع الله الحرج عن من فتن منهم عن دينه، فأعطى بلسانه مكرهًا خلاف ما يعقد عليه قلبه، فأما معطيًا بلسانه على الإكراه ما لا يضره، أو صابرًا على المكروه حتى يقتل شهيدًا، على أنهم إنما كانوا يردون إما إلى أب، أو إلى أخ، أو ذي رحم يؤمن عليه منهم مكروه؛ لأن أولئك الذين ذكرناهم من أهاليهم أشفق عليهم من أن


(١) في "الأصل، ر": رأتنا. وفي "ض": رأينا. والمثبت من "البحر الزخار".
(٢) رواه البزار في "البحر الزخار" (١٤٨) من طريق يونس بن عبيد الله العميري به.

<<  <  ج: ص:  >  >>