الصحاري إذ لم نعطل واحدًا من الخبرين لإمكان أن يوجه لكل واحد منهما وجهًا غير وجه الآخر، وفعلوا مثل هذا في أبواب صلاة الخوف واستعملوا الأخبار فيها، ووجهوا لكل حديث منها وجهًا على سبيل ما قد ذكرناه في كتاب صلاة الخوف، فمن كان هذِه مذهبه وجب عليه أن يقول بالخبرين جميعا، ولا أحسب الشافعي لو دفع إليه خبر أبي المليح عن أبيه لقال به، ولم يخالفه، كما قال بالأخبار التي ذكرناها في مواضعها.
ومما يبرز اجتهاده أنه إذا وافق الشافعي فإن موافقته له مبنية على موافقة الشافعي للسنة الصحيحة.
وانظر إلى هذا المثال:
قال في كتاب الصلاة - باب ذكر إحداث النية عند دخول كل صلاة يريدها المرء فريضة كانت أو نافلة):
وبقول الشافعي أقول، وذلك لموافقته السنة الثابتة.
ولهذا قال الذهبي في "السير"(١٤/ ٤٩١):
ما يتقيد بمذهب إلا من هو قاصر في التمكن من العلم كأكثر علماء زماننا، أو من هو متعصب، وهذا الإمام فهو من حملة الحجَّة، جار في مضمار ابن جرير وابن سُريج وتلك الحلبة ﵏.
وإليك بعض الأمثلة في مخالفته للشافعي:
في (باب ذكر خبر احتج به من زعم أن معنى قول عمر: إلا بعض من تملكون من أرقائكم: أن الذين لا حق لهم في مال الفيء من العبيد من لم يشهد بدرًا دون من شهد بدرًا).
- قال أبو بكر: ووافق بعض أصحابنا الشافعي في عامة ما حكيناه عنه، وخالفه في إيجابه الخمس من الفيء، ولعمري لا نحفظ عن أحد