تسمى (الشرى) ومثل هذه الأرض يسميها أهل هذه الديار (عشة) فتجدهم يقولون لك: العشة التي وراء شلية، وعشة بئر عسكر … إلخ، سرنا في الشرى على نفس الطريق، وهو الطريق الذي أتيت معه إلى نجران، وعلى عشرة أكيال فرق إلى اليمين باتجاه مطلع الشمس طريق حبونا (حبونن)، وهي طريق ترابية حجرية وعرة، ترى الراكب فيها ينتفض من شدة اهتزاز السيارة، وقد قيل لنا: إن هذا الطريق سيعبد قريبًا.
وبينما نحن سائرون في هذه الأرض التي قد أضناها الجدب فلا تجد مشايتها ما تأكله، مررنا بغنم معز سود، فقال الشيخ: أغنم هي أم بهم؟!
قلت: بل غنم تضرع وتلد: فتمثل الشيخ بما يناسب إلى مجنون بني عامر:
صيغران نرعى البهم، يا ليت أننا … إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم!
فكانت إيقاعة أدبية مناسبة، خففت عنا ما كنا نكابد.
ومن الشرى انحدرنا في عقبة "دسوم" عقبة ما رأيت مثلها في انحدارها، عسرة كؤود ينكب الراكب فيها انكبابًا، ولا تكاد ضوابط السيارة تسيطر عليها، فأمضينا فيها وقتًا طويلًا، فهبطنا منها على وادي (كتنة) أحد روافد حبونا، وتبعد (دسوم) عن قاعدة حبونا ثمانية أكيال فقط. أفضنا من وادي كتنة في وادي حبونا فانحدرنا معه بين القرى المتصلة والنخيل المتراصة على جانبي الوادي، وقرى هذا الوادي كثيرة ومزارعه ليست قليلة، ولو سد لتدفقت مياهه على وجه الأرض، وهي الآن تخرج على وجه الأرض إذا كثرت السيول، وقال الشيخ عبد الرحمن القعوان شيخ شمل قبائل الأسلوم سكان هذا الوادي: إن عدد قرى وادي حبونا يبلغ (٤٧) قرية، وفيه ست إمارات، وعدد من المدارس والمراكز الصحية، وحبونا اسم الوادي كله، والقاعدة يقال لها: شط الأسلوم، غير أن الإداريين يطلقون اسم حبونا على القرية (القاعدة) التي فيها الإمارة والمحكمة والشركة، وكما ألمحنا فإن حبونا المنطقة الثانية في الأهمية بعد نجران، وتأتي المنطقة الثالثة في الإمارة (شرورى) وإن كانت شرورى