هذه قصص واقعية أخذناها من مصادر التاريخ العربي، بعضها كان في الجاهلية وبعضها كان في الإسلام، ومن طبيعة القصص - وخاصة الواقعية منها - الشفوفُ والكشف عن طبائع أبطالها، وإبراز خصائصهم وأهدافهم في الحياة.
وقد اخترنا من بين مجموعة قصص بني سُلَيْم المتَّسمة بطابع الواقعية، هذه القصص السبع التي حدث أولها في أواخر عهد بني سُلَيْم بالجاهلية، وحدث أخيرها في ضحى الإسلام وربما في أوائل القرن الهجري الرابع.
[القصة الأولى]
تَنافس في الجاهلية العباسُ بن مرداس وخُفَافُ بن عمير السُّلَميان، وكانا من رجالات بني سُلَيْم المعدودين فيهم، ثم تهاجيا بالشعر، ثم تقاتلا، وجرَّا قبيلة بني سُلَيْم إلى "حرب أهلية ضروس"، ثم دخل بعض رؤساء بني سُلَيْم من ذوي الرأي والحكمة فيما شجر بين الجانبين، بغية التوصل إلى فض النزاع الدامي وكف إراقة الدماء المهدورة في القبيلة، وإعادة المياه إلى مجاريها بين المتنافسين البطلين الشاعرين، وقد أدرك الندمُ العباس بن مرداس على ما فرط منه، فأظهر أسفه وأماط اللثام عن أمنيته أن لم يكن شيء مما حدث، ولكن خصمه خُفافًا كان على العكس من ذلك، كان نقيضه تمامًا في رأيه المستبصر المتراجع، وكان "خُفاف" عكس اسمه تمامًا في هذه القضية، كان "ثقيلًا" بمعنى الكلمة على منافسه وخصمه (عباس)، في الوقت الذي كان (عباس) عكس اسمه أيضًا في هذا الشأن، حيث كان (بَسَّامًا) يود أن تندمل الجروح فلا تُنْكأ، وأن يُسوَّى الخلاف فلا يُثار، وأن تحل "البسمات" محل "العبسات"، و"السلام والوئام" محل "الخصام والحسام"، وقد تمادى "خفاف" في ثقل عداوته لعباس، وردَّ على "عباس" ردًا شعويا قاسيًا أليمًا، وربما كان سبب ذلك (مركب النقص) الذي تحرك في نفسه بسبب لونه وخؤولته. وجاء الإسلام فدخل الرجلان في حماه، فتركا كل ما كانا فيه، وصارا من جنده وأبطاله وبذلك انحسم الداء وأسدل الستار على شحنائهما، بعد أن لم تُجدِ الوساطات القوية في جمع شملهما والتأليف بين قلوبهما، والإسلام هو طريق الإصلاح الشامل لذات النفوس وذات البين.