للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُتبة بن غزوان السُّلَمي

واسم والد أبيه ياسر، كان عُتبة من أجلاء الصحابة وفي عداد المهاجرين الأولين، وكان شجاعًا بطلًا، وراميًا حاذقًا، وفارسًا مغوارًا. قدم المدينة مهاجرًا وله من العمر أربعون سنة، وشهد بدرًا وأبلى فيها بلاء حسنًا بسهامه، وكان رجلًا طوالًا مشرف المقامة، وقد فتح الأبلة بعد أن هزم جَيْش الفُرس الذي كان بها، واختط البصرة بأمر عمر بن الخطاب، وأمر محجن بن الأذرع فاختط مسجدها، ثم ذهب إلى مكة فلما كان بمعدن سُلَيْم - ولعله المعروف اليوم بالمهد؛ لأنه تل مرتفع - أدركه الموت فتوفي سنة ١٧ هـ.

وهكذا كان عُتبة بن غزوان رجل حرب، ورجل سِلْمٍ، ورجل اقتصاد وعمران في وقتٍ واحد.

وكما كان عُتبة بن غزوان بطلًا محاربًا، ورجل اقتصاد وعمران كما قدمناه كذلك كان خطيبًا مفوهًا، وقد رأيناه يلقى هذه الخطبة الرنانة ذات الأهداف الإسلامية القيمة بعد فتحه للأبلة .. قال: (بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أما بعد فإن الدُّنْيَا قد تولَّت حَذَّاء (١) مدبرة، وقد آذنت أهلها بصرم (٢)، وإنما أُبقي منها صُبابة كصبُابة الإناء يَصْطُّبُها (٣) صاحبها، ألا وإنكم مفارقوها لا محالة، ففارقوها بأحسن ما يحضركم. ألا وإن من العجب أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إن الحَجر الضخم يُلقى في النار من شفيرها فيهوي فيها سبعين خريفًا (٤)، ولجهنم سبعة أبواب، ما بين البابين منها مسيرة خمسمائة سنة، ولتأتينَّ عليه ساعة وهو كظيظ بالزحام. ولقد كنت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابع سبعة ما لنا طعام إلَّا ورق البشام (٥) حتى قرحت أشداقنا (٦)، فوجدت أنا وسعد بن مالك؛ تمرة


(١) حذاء بمعنى منقوصة.
(٢) الصرم: القطع.
(٣) الصبابة: بضم الصاد المهملة: بقية الماء أو اللبن، ويصطبها معناه: يفرغها.
(٤) الخريف هنا بمعنى: العام.
(٥) البشام: شجر عطر الرائحة يتخذ من قضبانه المساويك.
(٦) معنى: (قرحت أشداقنا): حدثت فيها قروح.

<<  <  ج: ص:  >  >>