واستعار نتائجها لنتائج حرب سلاحها السيف والقوس، أو لعل عاطفته على هذا الوطن أمام الهجوم العربي استعمارها من إنسان كامل رأى الحملات الأوروبية على الأمم المستضعفة؛ اسمح لي أيها الكاتب أن أقول لك: لست بمؤرخ يحترمه القارئ ولا بسياسي يغر البربر فإنهم لا يرضون عن تحاملك على العرب ولا سيما الفاتحين.
البربر يعلمون أن ما نتج عن هجوم الهلاليين ليس ناشئا عن عداوة جنسية أو قسوة حربية؛ ولذلك اختلطوا بهم وأخذوا عنهم عوائد اجتماعية وأخلاقا فاضلة أضافوها إلى عوائدهم وأخلاقهم، واستعرب كثير منهم لما وجدوا في العربية ثروة لفظية وأدبا راقيا إعانة على فهبم الدين، واستبدلوا بحياتهم حياة عربية.
فكان نفوذ الهلاليين في البربر اجتماعيا لغويا جنسيا، كما كان نفوذ الفاتحين دينيا سياسيا، ويمتاز نفوذ العرب في غيرهم من الأمم بأنه غير ناشئ عن دعاية سياسية وأنه خالد خلود الراسيات لا يذهب بذهاب سلطانهم ولا توهن من قوته الدسائس الأجنبية، بل لا يكترث بها إلا اكتراث القائل:
يا ناطح الجبل العالي ليوهنه … اشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
[الحياة الهلالية]
الهلاليون بداة ظواعن، يسكنون بيوتا يستخفونها يوم ظعنهم، ويكسبون الخيل لركوبهم والأنعام لحمل أثقالهم والتغذي بألبانها واتخاذ الملابس والأثاث من أوبارها وأصوافها وأشعارها، ينتجعون بها الصحراء شتاء والتل صيفا ويبتغون الرزق في غالب أحوالهم من القنص وتخطف الناس في السبل، ويجمعون أيام كونهم بالتل الحبوب لقوت سنتهم. قال ابن خلدون: "وربما يلحق أهل العمران أثناء ذلك معرات من أضرارهم بإفساد السابلة ورعي الزرع مخضرا والتهابه قائما وحصيدا، إلا ما أحاطته الدولة وذادت عنه الحامية في الممالك التي للسلطان عليهم فيها سبيل. اهـ
وتغلب الهلاليون على طرق القوافل، فلا يجتازها غيرهم إلا بخفارة أحدهم، فوقفت حركة البربر التجارية من هذه الناحية ولكن الهلاليين قاموا به أحسن قيام ووسعوا نطاق التجارة بين التل والصحراء.