وكان قصدهم خيبر وجنفاء ونواحيها، فظفر ببعضهم واستأمن بعضهم وهرب الباقون مع رئيس لهم يقال له الركاض إلى موضع من البلقاء من عمل دمشق، وأقام بجنفاء (الشملي حاليا) وهي قرية من حد عمل الشام مما يلي الحجاز نحو من أربعين ليلة ثم انصرف إلى المدينة بمن صار في يديه من بني مرَّة وفزارة من غطفان.
وفي هذه السنة صار إلى بغا من بطون غطفان وخاصة من فزارة وأشجع جماعة، وكان وجه إليهم وإلي بني ثعلبة، فلما صاروا إليه فيما ذكر أمر محمد بن يوسف الجعفري، فاستحلفهم الأيمان المؤكدة ألا يتخلفون عنه متى دعاهم، فحلفوا، ثم شخص إلى ضريّة لطلب بني كلاب (هوازن)، ووجه إليهم رسله فاجتمع إليه منهم فيما قيل نحو ثلاثة آلاف رجل، فاحتبس منهم من أهل الفساد نحو من ألف وثلاثمائة رجل وخلى سائرهم، ثم قدم بهم المدينة في شهر رمضان سنة ٢٣١ هـ فحبسهم في دار يزيد بن معاوية مع من قبض عليه من بني هلال بن عامر من هوازن وبني عوف من سُلَيم، ثم شخص إلى مكة وأقام بها حتى شهد الموسم، فبقي بنو كلاب وهلال وسُلَيم في الحبس لا يجري عليهم شيء مدة غيبة بغا، حتى رجع إلى المدينة، فلما صار إلى المدينة أرسل إلى من كان استخلف من بطون غطفان وهم ثعلبة وأشجع وفزارة، فلم يجيبوه وتفرقوا في البلاد، فوجه في طلبهم فلم يلحق منهم أحدًا.
(٥) ما قاله جواد علي عن غَطَفَان (١):
قال: وكان من رؤساء غطفان الذين سادونها زهير بن جذيمة العبسي، وقد قاد غطفان كلها، وقد وقعت بين غطفان وبين بني عامر بن صعصعة (هوازن) عدة أيام منها يوم الرقم ويوم القرنين ويوم طوالة وبو قرن، وقد كانوا مع الأحزاب في محاربة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا يعبدون العُزّى شجرة بنخلة عندها وثن تعبدها غطفان، وكان سدنتها من بني صِرْمة بن مرّة، وكانت قريش تعظمها، وكانت غني وباهلة من قيس تعبدها معهم، هدمها خالد بن الوليد، وهدم البيت وكسر الوثن، وكانوا يطوفون حول البيت وهو بيت بساء تشبهًا بطواف القبائل الأخرى حول الكعبة، ولهم صنم آخر موضعه في مشارف الشام يسمى الأقيصر.
(١) كتاب تاريخ العرب قبل الإسلام ص ٣١٤ المجلد الرابع للدكتور/ جواد علي.