الحرب الضروس منبثقة من معركة (مرج راهط) فمنها جذورها ومصادر اندفاقها.
وقد ذكر المؤرخون أنه بعد مقتل عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - بسنة ٧٢ هـ هدأت الفتنة بين القبائل القيسية والتغلبية، واجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، وتكافَّتْ قيس وتغلب عن المغازي فيما بينهما، ولكنه تكافٌّ على دَخَلٍ، ولكل شيء سبب، فقد حدث - لسوء حظ بني تغلب - أن أنشد الشاعرُ التغلبيُّ "الأخطل" عَبدَ الملك بن مروان - وكان لديه ساعتئذ وجوه قيس وصناديدها، ومن بينهم الجَحَّافُ بن حكيم السُّلَمي - أبياتًا من قصيدة له كان مدح بها بعض بني أمية، وقد تعرض فيها لبني سُلَيْم تعرضًا مُزرِيًا بهم، فانزعج لهذا الصنيع السُّلَميون الحاضرون وعلى رأسهم الجحَّاف، وبدأ الغضب يتطاير من عينيه، ثم مضى إلى قومه واحتال عليهم - حتى أطاعوه - لحرب بني تغلب، فأقبل علي بني تغلب مع قومه وبنو تغلب لا يعلمون، وكانوا مجتمعين في (البِشْر) فقتل السُّلَميون منهم فيه خمسمائة رجل، وتجاوزوا قتل الرجال إلى قتل النساء والأطفال، وهكذا كانت معركة البشر أو يوم البشر معركة أخذ فيها بنو سُلَيْم ثأرهم من بني تغلب بالكيل الوافي الطافح، لقد ثأروا منهم حيال قتلهم لأحد رجالاتهم: عمير بن الحباب السُّلَمي، وهكذا أطفأ الجحَّاف جمرة غضبه في دماء بني تغلب، ورد ردا فعليا بليغًا وعميقًا على تحدي الأخطل له أمام الخليفة.
وقد تَثَعْلَب النمر الذي كان يصول ويزمجر بين جوانح الأخطل بعد هذه الواقعة الحاسمة على ما فصلناه في ترجمة (الجحَّاف بن حكيم السُّلَمي) في الفصل الخاص بتراجم "الأمراء والمحتسبين والقادة والولاة للسُّلَميين" من هذا الكتاب.
وعلى عادة العرب عقب غزواتهم نرى الشعر يدخل ميدان المعركة، مجسمًا ومقدِّرًا وواصفًا انتصار بني سُلَيْم على تغلب، وواضعًا انكسار شوكة بني تغلب وانهزام شوكتهم أمام التيار الجارف الهابط عليهم من خصومهم السُّلَميين.
يوم الحرَّة
وقعت هذه المعركة المنسوبة إلى "الحرَّة" بين بني حرب من خولان القحطانية من صعدة باليمن وبني سُلَيْم، في عصر الهمداني أو قريب منه، وربما في