للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع كل مودته تلك، كان كُثَيِّر ينتسب إلى الأمويين ويمدحهم بشعره وينال أعطياتهم، وهم يدركون بأن كُثَيِّرًا لا يشكل عليهم أية أخطار متوقعة، فهو مجرد شاعر قزم الشخصية لا يزيد طوله على ثلاثة أشبار، يبحث عن العشق والغرام وينشد أشعاره حوله، ومنظره يوحي إلى السخرية والتندر فهم أحبوا شعره وعطفوا عليه، ومدحهم وكان صادقًا في مدحه إياهم.

كُثَيِّر وعبد الملك بن مروان:

دخل كُثَيِّر على عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين، إن أرضًا لك يقال لها غُرَّب ربما أتيتها وخرجت إليها بولدي وعيالي فأصبنا من رطبها وتمرها بشراء مرة وطعمة مرة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعمرنيها فعل؟ فقال له عبد الملك: ذاك لك.

فندمه الناس وقالوا له: أنت شاعر الخليفة ولك عنده منزلة، فهلا سألت الأرض قطيعة!

فأتى الوليد فقال: إن لي إلى أمير المؤمنين حاجة فأجلسني قريبًا من البرذون فلما استوى عليه عبد الملك قال له: إيه! وعلم أن له إليه حاجة، فقال كُثَيِّر:

جَزَتْكَ الجَوازِي عن صَديقكَ نَظرةً … وَأَدْنَاكَ رَبِّي في الرَّفِيق المُغرَّبِ

فإِنَّكَ لا يُعَطِى عَليكَ ظُلامةً … عَدوٌ ولا تَنْأَى عن المُتَقرِّبِ

وإِنَّك مَا تَمْنَع فَإِنَّك مَانعٌ … بحقٍّ وَمَا أَعْطَيتَ لَمْ تَتَعَقَّبِ

فقال له: أترغب غربًا (١)؟

قال: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: اكتبوها له ففعلوا (٢).

وروى أن عبد الملك بن مروان قال له: ويحك! الحق بقومك من خزاعة فأخبر أنه من كنانة قريش وأنشد كُثَيِّر قوله:


(١) غرب: ماء بنجد ثم بالشريف من مياه بني نمير.
(٢) الأغاني ٩/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>