فاستجيب له. قلت: ما كان الخضر بل أنا العبد الخاطئ، قال: فادلجت فقدمت مصر فلقيت الليث بن سعد، فلما نظر إليَّ قال: أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قال: قلت: نعم. قال: فهل لك في المُقام عندنا؟ قال: قلت؟ وكيف أقيم وما أملك إلا جبتي وسراويلي؟ قال: قد أقطعتك خمسة عشر فدانًا، ثم صرت إلى ابن لهيعة، فقال لي مثل مقالته - مقالة الليث - وأقطعني خمسة فدادين، وهكذا أقام منصور بن عمار السُّلَمي، بمصر مكرَّمًا منغَّمًا.
مدلولات القصة
والقصة المذكورة تدلنا على أمور:
أولًا - أنَّ منصور بن عمَّار كان واعظًا قديرم ومخلصًا، وصالحًا موفقًا في حياته ولم يكن دجالا من الدجاجلة.
ثانيًا - أن الليث بن سعد وهو إمام أئمة العلم والدين من طبقة الإمام حالك بن أنس ومن أصدقائه - كان ثريا وجيهًا في مصر، وكلان ينفق ماله في وجوه البر والخير، فهو ممن ينطبق عليهم أول بيت الشاعر:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا … وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
ثالثًا - وكذلك كان شأن زميله ابن لهيعة، إلا أنه ربما كان أقل ثراء منه بدليل أنه أعطى منصورًا ثُلث عطية الليث.
رابعًا - أن أهل مصر كانوا منذ القدم سريعي التأثر بالخيالات، فها هو ذا أحدهم يتحدث عنهم ويقول لمنصور بن عمَّار ما معناه: إنه بعد استجابة دعائه وهطولا المطر في مصر اعتقد أهلها أنه الخضر.
خامسًا - أن أهل مصر كانوا منذ صدر الإسلام يتسابقون إلى فعل الخيرات رجالًا ونساءً.
من شواهد فصاحة منصور بن عمَّار
كتب إليه بشر الحافي يقول له: اكتب إليَّ بما مَنَّ الله علينا، فكتب إليه منصور هذه الرسالة الوجيزة الضاربة في البلاغة صوب القمة: