الفريعة، ونصر بن حجَّاج، قد بلغا من الاستقرار في النفوس والمجتمعات إلى حد جعل نصرًا نفسه يشير إليهما إشارة واضحة حين يقول في الأبيات التي بعث بها إلى عمر:
ويمنعني مما يُظنُّ تكرمي … وآباءُ صدق سالفون كرام
ويمنعها مما تمنت صلاحُها … وطولُ قيام ليلها وصيام
ثانيًا - أرى أن لنصر الحق في اختبار الإقامة بالبصرة عن المدينة؛ وذلك لأنَّ أمره وأمر (المتمنية) قد ذاع وشاع في سائر الأوساط الإسلامية وبالمدينة خاصة، وصار موضع التندر والأحاديث العامة والخاصة، فلو عاد إلى المدينة لعاد معه الحديث المتشعب المتواتر الدائم عن أمره وأمر صاحبته المتمنية، مما يقض مضجعه ويعيد إليه الشجون والآلام، فكثرة حديث النّاس عن مثل هذا الموضوع يؤثر أثرًا عكسيًا على من يقال فيه، وخاصة إذا لاحظنا تزايد الجماهير وتوسعتهم لشقة الظنون ومختلف التفسيرات والتحليلات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ثالثًا - وقيام نَصْرِ بن حجَّاج - على رواية المدائني - بمرافقة الجيش الغازي مع أبي موسى، يدلنا على عمق إيمان نصر وعلى أنَّه في المستوى الطيب من كرم الأخلاق وطيب العنصر، فما حال بينه وبين الجهاد في سبيل الله لَوْكُ الألسنة لاسمه بحق وبغير حق .. لقد كان شريفًا وابن شريف وظل على مستواه الاجتماعي وقد رأينا عمر بن الخطاب (وهو الخليفة الرَّجَّاع إلى الحق متى لاح له ضياؤه من أيِّ مكان ومن أيِّ إنسان) رأيناه يعطف عليه عطفًا كاملًا ويعيد إليه (اعتباره) ويكتب إلى عامله بالبصرة بتخييره بين المقام بالبصرة والعودة إلى المدينة .. وكم كان نصر حصيفًا ولبيبًا عندما فَضَّل البقاء في البصرة للبواعث التي أشرنا إليها آنفًا، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وليس على أفواه النّاس أقفال.
عباس بن أَنَس بن عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي
يتراءى لي أن عباسًا هذا هو أحد أحفاد عباس بن مِرْدَاس السُّلَمي الصحابي الشاعر البطل المعروف (١).
(١) يسند ذلك إلى ما ورد في معجم الشعراء للمرزباني، فقد ساق نسبه كما ذكرناه، راجع ص ١٠٣.