عمر لحقيقة سلوك جعدة فيما وراء جبل سلع أنه بعد ما جلده مائةً معقولًا، نَهاهُ عن الدخول على امرأة مغنية كان عمر لا يخفى عليه حقيقة سلوكها، ولكنه كان يدرأ الحدود بالشبهات، ولابد أن عمر سماها له عندما نَهَاهُ عن دخول منزلها، ولكن الرواة آثروا سترها، فاكتفوا بالإشارة إلى واقعها من دون إثارة فضيحة عليها خالدة بذكر اسمها ولعلها تتوب، والله ستَّار يحب الستر وغفَّار للذنوب، وعمرُ ومَنْ كانوا في عصره من الصحابة والتابعين ما كانوا يريدون أن تشيع الفاحشة ولا سوء السمعة بين المسلمين على بعضهم.
مليح بن عوف السُّلَمي
رُوِيتْ عن مليح هذا قصةُ ذلك الباب (الخشبي) الذي وضعه سعد بن أبي وقاص على داره، مع قصة ذلك (الْخُصَّ الْقَصَبيِّ) الذي خصه سعد على قصره في الكوفة. وتقول القصة: إنه بلغ عمرَ بنَ الخطاب وَضْعُ سعد للباب الخشبي والخص القصبي على داره، فاهتم بهذا الشأن الذي رأى فيه حَدَثًا غير مناسب، ومن أجل ذلك انتدب من المدينة محمد بن مسلمة ومعه مليح بن عوف السُّلَمي دليل طريق، وأمر عمر محمد بن مسلمة بالتحقيق في ذلك ورَفْعِ الأمر إليه، وكان مليح دليلًا خبيرًا، وهكذا خرج مَنْدوبُ الخَلِيفَة سِرًّا في المهمة الإدارية المُكَلَّف بالتحقيق فيها وتقديم نتيجة تحقيقاته عنها إليه، ثم أمر عمر - بعد وصول الحقيقة الإيجابية إليه عن الباب الخشبي والخص القصبي أمر عمرُ، مُحَمّدَ بنَ مسلمة بأن يحرق الباب والخص معًا، ففعل، وأمره بأن يُقيمَ سعدًا لأهل الكوفة في مساجدهم، بسبب ما بلغ عمر من بعض أهل الكوفة - من أن سعدًا حابى في بيع خُمُسٍ باعه، ففعل، فأقام محمدُ بن مسلمة، سَعْدَ بن أبي وقاص في مساجد الكوفة، فجعل يسألهم عن سعد ويخبرهم بأن أمير المؤمنين أمره بهذا، فلا يجد أحدًا يخبره إلا خيرًا (١)، وكانت هي سعاية من بعض من تنقصهم متانة الخلق الإسلامي على سعد بن أبي وقاص، لم ير أمير المؤمنين العادل إلا أن يستكشف حقيقة أمرها، حتى تظهر جليةً للجمهور، فلا يكثر اللغط والإشاعات المفتراة بين الناس سِرا وجهرًا على هذا الصحابي النزيه الجليل، فكان عمر بذلك خليفة بارعًا