للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَمَز إليهن باسم (القُلُصِ) جمع قُلَوصٍ، ورمز إلى وجودهنَّ معه بقوله: (يُعَقِّلُهُنَّ) .. قال الشاعر:

ألا أبلغ أبا حَفْصٍ رسولًا … فدىَ لك من أخي ثقة، إزاري

قلائصَنَا - هداك الله - إنَّا … شُغِلْنا عنكمو زمن الحصار

فما قُلُصٌ وُجِدْنَ مُعَقِّلاتٍ … قَفَا سَلْعٍ بِمُخْتَلِفِ البحار (١)

قلائص من بني سعد بن بكر … وأَسْلَم أو جُهَيْنة أو غِفَار

يُعَقِّلُهُنَّ جعدةُ - من سُلَيْم … معيدًا، يبتغي سَقَطَ العذار

وإذا عرفنا أن معنى (القلوص) في اللغة العربية: "الشَّابة من الإبل أو الباقية على السير، أو أول ما يركب من إناثها إلى أن تثني ثم هي ناقة" أدركنا عندئذ دقة الكناية من هذا الشاعر المجهول الذي عرف من أين تؤكل الكتف، وعرف كيف تكون إصابة السهم لمرماه، ورُبّ كناية أبلغ من تصريح.

إن الشاعر يريد أن يكشف لعمر بن الخطاب حقيقة انحراف أخلاق جعدة السُّلَمي - بحسب دعواه - وهو يعرف أن عمر ذو إحساس مرهف من هذه الناحية، فهو من هذه الناحية يهدف إلى سد الذرائع، وإلى الاحتياط في هذه الأمور المخلة بالآداب الإسلامية في بلد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يتسامح فيها على أي حال.

وقد ضرب الشاعر - فعلًا - على الوتر الحساس، فقال عمر: ادْعُوا لي جعدة من سُلَيْم، فدعوا به له، فَجُلدَ مائةً مَعْقُولًا، ونهاه أن يدخل على امرأة مغنية (٢). ولابد أن أخبار انحراف جعَدة واستهوائه لفتيات ما وراء جبل سلع كان قد بلغ مسامع عمر، وكان ينتظر أن تسنح الفرصة المناسبة لتأديبه، وآية ذلك أنه جلده مائةً معقولًا وعُمَرُ عادل ولا يقوم بمثل هذا التأديب الشديد إلا بمقتضى أدلة مثبتة، وهي - طبعًا - غير شعر الشاعر المجهول، وشعر الشاعر المجهول كان مجرد علامة وإنذارًا بأنَّ الكيل قد طفح، وبأنه لابد من وضع حدٍّ لهذا العبث الخُلُقِيِّ الذي يقوم به جعدة من وراء ستار شفيف، ومن واضح الأدلة على إدراك


(١) هكذا في الأصل، ولعلها: النجار.
(٢) الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ص ٢٨٦، المجلد الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>