قلما أن نتصفح كتابا في الأدب إلا وجدته يذكر هذه القصيدة أو جزءا منها وتاريخ هذه القصيدة يرجع إلى الفترة التي قتل فيها في خراسان ولروعة القصيدة زعم قوم أنها من قرض الجن في رنانه لما رأى أنه من غربته، وكربته ووحدته، ويقول هؤلاء:
أنه بعد أن قالت الجن هذه القصيدة وضعت الصحيفة التي كتبت فيها تحت رأسه فاطلع عليها من غسلوه وكفنوه وهذا الزعم باطل لأنه قائل القصيدة هو مالك ولم يقلها إلا لما أحس مصيره وكان يهتدي فيها بهدي الشاعر القحطاني من شعراء الجاهلية عندما أسره التميميون في (يوم كلاب الثاني) لأن ظروف الشاعرين متشابهة، والدافع للقصيدتين واحد هو بكاؤهما على نفسيهما ووداعهما الدنيا ومن فيها وما فيها.
وقصيدة مالك بن الريب جعل قافيتها ووزنها كقصيدة القحطاني من ناحية وحدة الغرض ووحدة الظروف، ومطلع قصيدة القحطاني:
ألا لا تلوماني كفى اللوم مابيا … فما لكما في اللوم خير ولا ليا
ألم تعلما أن الملامة نفعها … قليل وما لومي أخي من شماليا!
أما قصيدة مالك بين الريب المشهورة فقد تقدم ذكرها.
مات الشاعر المذكور مالك بن الريب في خراسان، قيل: إنه مات لديغ ثعبان حيث أدخل رجله في جوار وإذا بداخلها ثعبان فلدغه وقضى عليه.
ومما سبق الشعراء إليه فاستعملوه بعده قوله:
العبد يقرع بالعصا … والحر يكفيه الوعيد
وأعاد هذا المعنى أحد الشعراء فقال:
العبد يقرع بالعصا … والحر تكفيه الملامة
وكرره آخر فقال:
العبد يقرع بالعصا … والحر تكفيه الإشارة
فلم يغير فيما قيل إلا الكلمة الأخيرة فقد جعل الإشارة بدلا من الملامة.