للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خنساء بنت زهير]

قال أبو العباس: وقالت خنساء أخت زهير ترثي أخاها (١).

قلت: بل هي بنت زهير لأنَّ أخت زهير اسمها سُلمى بنت أبي سُلمى وهي شاعرة مجيدة، وإنما هذه الأبيات الخنساء بنت زهير كما علمنا وهي تقول في مرثية أخيها سالم:

لا يغني توقي المرء شيئًا … ولا عقد التميم ولا الغضار

إذا لاقى مَنيتّه فأمسى … يساق به وقد حق الجوار

ولا قاه من الأيام يوم … كما من قبل لَمْ يخلد قدار

تقول: لا يغني عن المرء شيء يتوقي به عن الموت، ولا تنفع التمائم، والعوذ. وهذا يبين لنا مدى ما هم متعلقين به من هذه التمائم. إلَّا أن خنساء تنكرها وتعلم أنَّها لا تضر ولا تنفع. وهو يدلُّ على أنَّ القوم أصحاب عقول ولكن أضلها باريها. وعلَّق أبو العباس على هذا بقوله: كان أحدهم إذا خشي المرض علَّق على نفسه خزفًا من الخزف الأخضر فلا يدنو منه المرض (٢).

قال مؤلفه عفا الله عنه: لا أدري كيف غفل أبو العباس عن التعليق على هذا الكلام مع أنه ساقه بصيغة التمريض فقال: يقال. ولكن لا يجب السكوت على مثل هذه الشركيات حتى يبين الحق فيها، فهي أمور قد جاء الإسلام بإبطالها، وأخبر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له) (٣). والودعة هي الخزف الأخضر. وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ذكرت الطيرة عنده (أحسنها الفأل ولا ترد مسلمًا فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلَّا أنت ولا يدفع السيئات إلَّا أنت ولا حول ولا قوة إلَّا بك) (٤).

وهذه الأبيات وأبيات لزهير تقدمت تدل على أنَّ القوم يحفظون تاريخ الأمم قبلهم وأنهم على علم بما فعل بهم. ولكن العادات القَبَلية والتقاليد صرفتهم عن التفكير في البحث عن دينهم الأول وهو دين إبراهيم الحنيفية السمحة فطغى عليهم تقليد الآباء ونسوا ما خُلقوا له.


(١) شرح شعر زهير ص ٢٧١.
(٢) شرح شعر زهير ص ٢٧١.
(٣) رواه أحمد عن عُقبة بن عامر.
(٤) أخرجه أبو داود بسند صحيح عن عُقبة بن عامر.

<<  <  ج: ص:  >  >>