للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيف الريح (١)

كانت بنو عامر تطلب بني الحارث بن كعب أوتارا كثيرة، فجمع الحصين بن زيد الحارثي ليغزوا بمن تبعه من قبائل مذحج، فأقبل في بني الحارث، ونهد، وجعفي، ومراد، وصداء، وزبيد، وقبائل سعد العشيرة، بالإضافة إلى قبائل خثعم التي استعانت بهم بنو الحارث. فخرجت شهران وناهس وأكلب، وعلى رأسهم أنس بن مدرك. وأقبل القوم يريدون بني عامر، وكانوا ينتجعون مكانا يقال له: فيف الريح (٢)، وكانت نساء مذحج وذراريهم معهم ليصمدوا في الحرب ولا يفروا، إما ظفروا وإما هلكوا.

فاجتمعت بنو عامر كلها إلى فارس قيس وسيدها عامر بن الطفيل الكلابي (٣)، فقال لهم حين بلغه مجيء القوم: أغيروا بنا عليهم، فإني أرجو أن نأخذ غنائمهم، ونسبي نساءهم، ولا تدعوهم يدخلون عليكم داركم، فتابعوه على ذلك، وقد جعفت مذحج من لفّها (٤) رقباء، فلما قربت بنو عامر من القوم صاح رقباؤهم أن أتاكم الجيش. فلم يكن بأسرع من أن جاءتهم مسالحهم (٥) ركض إليهم. فخرجوا إليهم فقال أنس بن مدرك لقومه: انصرفوا بنا ودعوا هؤلاء، فإنهم إنما يطلب بعضهم بعضا، ولا أظن عامرا تريدنا. فقال لهم الحصين: افعلوا ما شئتم فإنا نرجو أن لا نعجز عن بني عامر فرب يوم لنا ولهم قد غابت سعوده وظهرت نحوسه. فقالت خثعم لأنس: إنا كنا وبنو الحارث على مياه واحدة في مراع واحدة وهم لنا سلم وهذا عدو لنا ولهم، أفتريد أن ننصرف عنهم؟ فوالله لئن سلموا وغنموا لنندمن أن لا نكون معهم، ولئن ظفر بهم لتقولن العرب:


(١) الكامل، ج ١، ص ٦٣٤؛ أيام العرب في الجاهلية، ص ١٣٢.
(٢) فيف الريح موضع بأعالي نجد.
(٣) هو فارس وشاعر مجيد، ومن شعره:
وما الأرض إلا قيس وعيلان أهلها … لهم ساحاتها سهلها وحزومها
وقد نالت آفاق السماوات مجدنا … لنا الصحو من آفاقها وغيومها
(٤) لفُّ القوم: من كان فيهم من الحلفاء وغيرهم.
(٥) مسالح: جمع مسلحة، هم القوم ذوو السلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>