في ذات يوم دخلت الخنساء على أم المؤمنين عائشة فانشدتها قولها في رثاء أخيها صخر:
ألا يا صخر إن أبْكَيْتَ عيني … فقد أضحكتني زمنًا طويلًا
فقالت لها عائشة: أتبكين صخرًا وهو جمرة في النار؟ فقالت الخنساء: يا أم المؤمنين ذاك أشدُّ لجزعي عليه، وأبعثُ لبكائي، وعُدَّ هذا الجواب من الأجوبة المسكتة.
عمرة بنت مِرْداس السُّلَمية
أخت عباس بن مرداس السُّلَمي، وهي شاعرة مقلة مخضرمة. أمها الخنساء، فعمرة إذن نشأت في محيط مزدهر بالشعر .. أمها شاعرة وأخوها شاعر وعَمَّاها شاعران، وقد أوردت "حماسةُ أبي تمام" أبياتًا لعمرة تعتبر من جيد الشعر، قالت:
أعينيَّ لم أختلكما بخيانة … أَبَى الدهر والأيام أن أتصبرا
وما كُنْتُ أخْشى أن أكون كأنني … بعيرٌ إذا يُنْعَي أُخيَّ تحسرا
ترى الخصم زورًا عن أُخَيَّ مهابةً … وليس الجليسُ عن أُخيَّ بأزورا
وهكذا سلكت عمرة في رثائها الحزين الجميل الأسلوب والمعبر عن عواطفها - مسلك والدتها واخوتها في الرثاء - ومن يشابه "أهله" فما ظلم.
ويقول بروكلمان: إن عمرة بنت الخنساء ورثت عن أمها ملكة الشعر، وإن بعض أشعار عموة بقيت في ديوان أمها (١).
ولعمرة أخ اسمه يزيد، كان قد قَتَلَ قيس بن الأسلت في بعض حروبهم، فطلبه بثأره هارونُ بنُ النعمان بن الأسلت، حتى تمكن من قتله، فقتله بقيس بن أبي قيس وهو ابن عمه، فقالت عمرة ترثي أخاها يزيد:(أعيني لم اختلكما بخيانة) الأبيات الثلاثة المتقدمة آنفًا .. ولها فيه مرثية أخرى تقول فيها:
أَجَدَّ بنُ أُمِّيَ أنْ لا يؤوبا … وكان ابنُ أُمِّيَ جَلْدًا نجيبا
(١) تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان، ص ١٦٤، الجزء الأول، طبع دار المعارف بمصر.