للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خيل باهلة]

منزلة الخيل في نفوس العرب في عهودهم القديمة كانت تسامي منزلة أبنائهم عندهم، لأنهم يرونها حصونًا لهم، يمتنعون بظهورها من أعدائهم، ويعدونها من أقوى وسائل العز التي تحمي كيانهم، قال ابن قتيبة (١): الخيل حصون العرب، ومنبت العز، وسلم المجد، وثمال العيال، وبها تدرك الثأر، وعليها تصيد الوحش، وكانوا يؤثرونها على الأولاد باللبن، ويشدونها بالأفنية للطلب والهرب، وقد كنى اللَّه عنها في كتابه بالخير لما فيها من الخير، فقال حكاية عن نبيه سليمان -عليه السلام-: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢)} [ص]. يعني الخيل، وبها كان شغل سليمان عن الصلاة حتى غربت الشمس، وقال طفيل:

وَلِلْخَيْلِ أَيَّامٌ فَمَنْ يَصْطَبِرْ لَهَا … ويَعْرِفُ لَهَا أَيَّامَهَا الخَيْرَ يُعْقِبِ

ولا يزال العرب يتمثلون: (الخيل عز للرجال وهيبة)، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية من ذكر الخيل وإبراز محاسنها ما يدل على عظم شأنها عند العرب {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ. . . (٦٠)} [الأنفال] وأقسم اللَّه بالخيل في قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥)} [العاديات] فقد أقسم اللَّه بخيل الغزاة التي تعدو فيرتفع صوت أنفاسها عند العَدْو، وبالموريات التي حين تضرب أقدامها الأحجار توري نارًا، وبالمغيرات التي تصبِّح الأعداء، وفي الأثر "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، ويقول شاعر عامري (٢):

بَنِي عَامِرٍ إنَّ الخُيُولَ وقَايَةٌ … لأَنْفُسِكُمْ، والمَوْتُ وقْتٌ مُؤَجَّلُ

أَهِيْنُوا لَهَا ما تُكْرِمُوْنَ وَبَاشِرُوا … صِيَانَتَها والصَّوْنُ لِلْخَيْلِ أَجْمَلُ

مَتَى تُكْرِمُوهَا يُكْرِمِ المَرْءُ نَفْسَهُ … وكُلُّ امْرِئٍ مِنْ قَوْمِهِ حَيْثُ يَنْزِلُ


(١) "الرد على الشعوبية": ٣٤٩.
(٢) "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب": ٢/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>