للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونجحت خطة - نُعَيْم - رضي الله عنه، وانفرط عقد الأحزاب، وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم، وكانت بداية لهزيمتهم وتراجعهم عن المدينة في اليوم التالي مذعورين.

[النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو حذيفة بن اليمان العبسي من غطفان لاستطلاع الأعداء]

قال ابن إسحاق قال حُذَيْفة: لقد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل أي قدرًا يسيرًا منه، ثم التفت إلينا فقال: مَنْ رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشترط له الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرجعة - أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟ فما قام رجل من المسلمين من شدة الخوف وشدة الجوع، وشدة البرد، فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة اذهب فادخل مع القوم، فانظر ماذا يصنعون؟ ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا. قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر بهم قدرًا ولا نارًا ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ مَنْ جليسه؟ قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت من أنت؟ قال: فلان ابن فلان، ثم نادى أبو سفيان بالرحيل قائلًا: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره وألقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى بعيره وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه، فوثب به على ثلاث فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم.

ثم يقول حذيفة بن اليمان: ولولا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليّ "أن لا تحدث شيئًا حتى تأتيني" ثم شئت لقتلته بسهم. فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي في مرط (١) لبعض نسائه، مراجل (٢)، فلما رآني أدخلني إلى رجليه، وطرح عليّ طرف المرط، ثم رجع وسجد، فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم، ولما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح.


(١) مرط: كساء.
(٢) مراجل: قال ابن هشام: المراجل ضرب من وشي اليمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>