مركز الخليفة الحفصي، وظل هذا الضعف يستشري لدرجة أن أهل مدينة الجزائر طردوا الوالي الحفصي وأنشأوا نوعًا من الحكم الذاتي لهم دام إلى عام ٦٧٦ هـ - ١٢٧٧ م أي بعد وفاة المستنصر بالله بعام كامل.
ولقد كان من نتائج تلك الفتن وذلك الوهن الذي انتاب الدولة بالضعف والخور أن فشلت رغبة الأمراء الحفصيين في نشر لواء الأمن والسلام على بلاد المغرب، والسبب الأول الذي يحول دون ذلك هي مشكلة البدو المعقدة المستعصية على الحل، فقد والى بنو عوف من سُلَيْم الأمير زكريا الحفصي بعد أن أجلاهم السلطان من قابس، وقد طردوا الدواودة من رياح الهلالية ثم كانوا هم أشد بلاءً من رياح إذ فرضت أحزابهم المختلفة فيما بينها إتاوات منظمة على نواحي الريف التونسي، وتدخلوا تدخلًا مباشرًا في الخلافات التي نشبت بين الأمراء الحفصيين مما هدد كيان اليلاد التونسية إبان أواخر القرن السابع الهجري، وقد كان بنو علَّاق من عوف (سُلَيْم) يناصرون من الأمراء من يختارون وبذلك أثاروا حفيظة السكان الحضر في المدن التونسية والجزائرية الموالية للدولة الحفصية، وقد استمر حال علَّاق (سُلَيْم) في التسلط على البلاد حتى تغلَّب عليهم السلطان الحفصي أبو الحسن عام ٧٧١ هـ أي في الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري، وفي أوائل القرن التاسع ضعف شأنهم مثل رياح الهلالية قبلهم ونزحوا إلى صحراوات ليبيا وأكثرهم في الصحراء الجزائرية، وهذا السرد ملخص (عن تاريخ بلدان المغرب العربي) طبع في الجزائر.
بنو هلال وما قاله العلَّامة ابن خلدون:
تمهيد: قلت: بنو هلال كان لهم طابع قصصي رائع غذى الأدب العربي بمورد خصب ما زال منهله نضَّاحًا يمد الإنتاج الفكري بعذب سلسبيله على مر الأجيال، فقصة أبي زيد الهلالي وذياب بن غانم وحروبهما البطولية مع الزناتي خليفة ما زالت تردد في أنحاء كثيرة من أقطار الوطن العربي الكبير، وذلك بعد أن ظلت مصدر وحي في الأزمان الماضية لشعراء الهلالية الذين ألَّفوا بفضل معانيها الكثيرة من الأغاني والقصص الشعري الذي حفظ لنا ابن خلدون طرائف من نفحاته، والذي ما زال الكثير منه راسخًا في أذهان سكان إفريقيا، ولأهمية هذا القصص وغزارته يقسم الرواة الشعبيون أو القاصُّون السيرة الهلالية إلى قسمين