للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تاريخ بني هاجر]

[تمهيد]

يتكون تاريخ أغلب قبائل الجزيرة العربية من عنصرين أساسين يشكلان مضمون هذا التاريخ، وهما الهجرات والوقعات، وبدون هذين العنصرين من الصعب أن نتحدث عن تاريخ حقيقي لأية قبيلة من القبائل؛ لأنَّ التاريخ في هذه الحالة لن يصبح تاريخا بل جمودا وسكونا، فحركة التاريخ بالنسبة للقبائل تنبع من هذين العنصرين؛ لأنهما العنصران اللذان كانا يمدان أية قبيلة بالقدرة على الحياة؛ لأنَّ الحياة لا يمكن أن تستمر إلَّا في ظل القوت والأمن، والقبائل تهاجر دائما بحثًا عن هذا وذاك.

إن المتعمق في دراسة حركة السكان في شبه الجزيرة العربية وخاصة القبائل يجد أنَّها كانت تنتج عن أحد عاملين رئيسين؛ أحدهما هو الجفاف الذي تقل معه الأقوات وتضيق الأرزاق عن الوفاء بحاجة السكان، فيضطر النّاس إلى الهجرة إلى أماكن أخرى يمكن أن يتوفر فيها القوت الضروري لحياتهم، وخاصة أن الهجرة بالنسبة لهم أسهل وأيسر من البقاء وتحمل هذه الظروف، فأبناء البادية إذا أرادوا الهجرة ما عليهم إلَّا أن يحزموا أمتعتهم القليلة ويمتطوا دوابهم ويغادروا أرضهم إلى أرض يأملون أن يكون بها ما يكفي لحياتهم ومعيشتهم. أما العامل الثاني الذي يحرك السكان ويدفعهم إلى الانتقال والهجرة، فهو فقدان الأمن، وبمعنى آخر الحروب والصراعات التي قد تنتج أيضًا عن قلة الزاد وضيق الرزق، فتلجا بعض القبائل إلى الاستيلاء على مراعي ومواطن القبائل الأخرى التي لَمْ يضربها الجفاف ولم ينزل بها القحط فتكون النهاية أيضًا رحيل المهزوم وبقاء المنتصر.

أما فيما عدا هذين العنصريں فإن تاريخ قبائل شبه الجزيرة العربية يخلو مما يسمى بالتطور الاجتماعي أو الاقتصادي الذي يمكن دراسته، وخاصة في القرون الماضية، وهي القرون التي سبقت قيام الدولة السعودية التي غيرت وجه الجزيرة العربية، وأعادت تشكيل فكرها وعقيدتها بما يتفق مع الشرع الحنيف، أما قبل ذلك فمن الصعب الاستدلال على مثل ذلك التطور أو التغيير الذي يستدعي

<<  <  ج: ص:  >  >>