للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما وَدَّعْتُهُ حين خروجي إلى العراق دخلتُ عليه وصاحبان لي وهما: حارث التميمي وغالب صهر أسد، فقلنا له: أوْصِنَا، فقال لي: أوصيك بتقوى الله العظيم والقرآن، ومناصحة هذه الأمة خيرًا - فراسة من مالك المستقبل أسد - فَوَلِيَ أَسَدٌ القضاء، وقال لصاحِبَيَّ: أوصيكما بتقوى الله ونشر هذا العلم.

ولما سمع أسد الموطأ عن مالك، قال لي: زدني سماعًا! قال: حسبك ما للناس.

وذهب أسد إلى العراق، وتتلمذ على أبي يوسف، ثم ارتحل إلى إفريقية بعدما نُعِيَ إليه أستاذه الإمام مالك بن أنس الأصبحي، وقد ارتَجَّت العراق لموته، وقد رأى بعيني رأسه وسمع بأذنيه كيف يُقدِّر العراقيون مالكًا، فندم أسد على ما فاته، وأجمع أمره على الانتقال إلى مذهبه، فقدم مصر، وقال: إن كان فاتني لزوم مالك فلا يفوتني لزوم أصحابه (١)، وفي مصر ألَّف كتاب "الأَسَدِيَّةِ" دونها عن ابن القاسم، أكبر تلاميذ مالك فهي المُدَوَّنةُ. وانتشر صيت أسد بن الفرات في تونس، وقد كان ثقة لَمْ يُرْمَ ببدعة، وبسببه ظهر العلم بإفريقية، وسمع منه علماء القيروان ووجوهها في القيروان: سحنون بن سعيد وأمثاله من المدنيين وغيرهم، وحينما مات قال أبو محرز الكناني - وهو أحد أعلام العلم والقضاء بتونس - وكان منافسًا لأسد -: (اليوم مات العلم).

[ولايته للقضاء، فالإمارة مع القضاء]

وَلَّى زيادة الله، أسَدًا، القضاء مشاركًا فيه لأبي محرر الكناني سنة ثلاث أو أربع ومائتين للهجرة، وكان أسَدٌ أغزر علمًا و فقهًا، وكان أبو محرز أسَدَّ رأيًا وأكثر صوابًا، ومكث أسد في القضاء مع أبي محرز إلى أن ولَّاه زيادة الله سنة ٢١٢ هـ إمارة جيش فتح صقلية، وأضاف إليه مع الإمارة القضاء، فكان ممن جمع بين منصبي القضاء والإمارة، وَهُمْ قِلَّةٌ جدًّا في تاريخ العالم الإسلامي. وكان أسد مع علمه أحد الشجعان، وسبب توليته الإمارة والقضاء معًا يتلخص في


(١) ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك - للقاضي عياض، ص ٤٦٥ - ٤٦٩ الجزء الثاني، منشورات دار مكتبة الحياة في بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>